الذي عليه السلف أنَّ الحيض أمرٌ قد كتبه الله على بنات آدم، وأنه غير مختص ببني إسرائيل.
وقد ورد في شأن أولية الحيض حديثان يظنُ المرء عند الوهلة الأولى أنهما متعارضان، ولكن عند إنعام النظر نجد أنه لا تعارض بينهما.
الحديث الأول: ما جاء من حديث عروة عن عائشة موقوفاً أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه: (قالت: كنَّ نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلاً من خشب يتشرفن للرجال في المساجد فحرم اللَّه تعالى عليهن المساجد وسلطت عليهن الحيضة) قال الشيخ الألباني: إسناده صحيح.
الحديث الثاني : ما صدَّر به الإمام البخاري كتاب الحيض وهو وقول النبي ﷺ : ( هَذا شيء كتبه الله على بنات آدم ).
وقد رجّح البخاري الحديث الثاني على الأول بقوله:
وحديث النبي ﷺ أكثر أي كلام النبي ﷺ أكثر قوة وآكد ثبوتا، وأقرب إلى العقل قبولا، وقد قال: (كتبه الله على بنات آدم) وهو يدل على أنه جبلة للمرأة منذ خلقها الله تعالى. أهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه فتح الباري على صحيح البخاري:
وأما ما رجحه البخاري مِن أن الحيض لَم يزل في النساء منذ خلقهن الله ، فَهوَ المروي عَن جمهور السلف .. وقد استدل البخاري لذلك بعموم قول النبي ﷺ : ( إن هَذا شيء كتبه الله على بنات آدم ) ، وَهوَ استدلال ظاهر حسن .. وفيه اللفظة التي استدل بها البخاري على أن الحيض لازم للنساء منذ خلقهن الله ، وأنه لَم يحدث في بني إسرائيل.أهـ
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري:
قال الداودي: ليس بينهما مخالفة فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم، فعلى هذا فقوله بنات آدم عام أريد به الخصوص.
قلت: ويمكن أن يجمع بينهما مع القول بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده.
وقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم (وامرأته قائمة فضحكت) أي حاضت. والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب، وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس ” أن ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن أهبطت من الجنة”، وإذا كان كذلك فبنات آدم بناتها. أهـ
وعلى هذا فيمكن أن يحمل الحديث الأول على أنَّ الله عاقب بنات بني إسرائيل بأن يشتد عليهن الحيض أو يطول حتى يحرمن من دخول المسجد لأنهن أسأنَّ الأدب؛ فكانت هذه عقوبة من الله عليهن، والحديث لم يتطرق إلى أولية الحيض، ولكن أفاد أن هؤلاء النسوة لمَّا اتخذن الأرجل الخشبية من أجل أن يتطلعوا للرجال منعن من المسجد، وسلطَّ الله عليهن الحيض.