قال تعالى: ( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ) (الروم: 47).

وقال سبحانه وتعالى: ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) (المنافقون: 8).

وقال تعالى: ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ) (النساء: 141).

وقال تعالى: ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) (الحج: 38).

وقال تعالى: ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا ) (محمد: 11).

إن تأويل هذه الآيات بَيِّنٌ غاية البيان. إن كل ما ضمنته هذه الآيات من النصر والعزة والسيادة والتأييد الإلهي إنما ضمنته للمؤمنين ولم تضمنه لكل من يدّعون الإيمان، ويتسمَّون بأسماء أهل الإسلام، فالمدار على المسميات لا على الأسماء، والعبرة بالحقائق لا بالدعاوى.
وإذا كان الإيمان هو النطق بالشهادتين، والمحافظة على بعض شعائر الإسلام، فنحن مؤمنون، وإن كان الإيمان هو التحقق بالأوصاف التي ذكرها القرآن للمؤمنين، فبيننا وبين إيمان القرآن مراحل ومراحل.

ما هي صفات المؤمنين في القرآن:

إن المؤمنين الذين تكفل الله لهم بالنصر والمعونة والتأييد – في آيات كتابه – لهم صفات ذكرها القرآن نفسه، جلّى بها عقائدهم وأعمالهم وأخلاقهم، التي استحقوا بها تكريم الله تعالى دعوته وتسديده، وليس من الإنصاف أن نذكر ما وعد الله به المؤمنين في القرآن، ثم نطلب تفسير المؤمنين من غير القرآن.
-استمع إلى هذه الآيات النيرة من كتاب الله: ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقاً ) (الأنفال: 2، 3، 4).
-وقال تعالى:( قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون . . . . . ) (المؤمنون: 1، 2).

-وقال تعالى:( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر ) (التوبة: 71).

-وقال تعالى:( إ نما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) (الحجرات: 10).

-وقال تعالى:( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) (الحجرات: 15).

-وقال تعالى:( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا، وأولئك هم المفلحون ) (النور: 51).

من هم المؤمنون حقا:

لو نظرنا إلى هذه الآيات وغيرها – وما أكثرها في القرآن – ثم نظرنا في واقع هذه المئات من الملايين من المنتسبين للإسلام، فما ترى؟

هل ترى – بربك – إلا قوماً أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، أفئدتهم عن الله مشغولة، وصلتهم بالله مقطوعة ( بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ) (الحشر: 14) استعلن فيهم المنكر، واستخفى المعروف، بل صار فيهم المعروف منكراً والمنكر معروفاً، بل أصبح فيهم من يأمر بالمنكر ومن ينهى عن المعروف.
ثم ارجع البصر كرتين في هذه الملايين الستمائة، فسترى بينها ملايين أفسدها الغلو الطائفي، وملايين أفسدها التضليل الحزبي، وملايين أفسدها الغزو الفكري، وملايين عزلها وجهّلها الاستعمار بكافة أشكاله، وملايين أخرى لا هم في العير ولا في النفير، في غفلةٍ هم لاهون، وفي غمرةٍ ساهون ( أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ) (النحل: 21).
هل تستطيع بعد ذلك إلا أن تقول ما قاله الشاعر قديماً:

ماتت الناس، بل ما أقلهمو!
الله يعلم إني لم أقل فندا!
إني لأفتح عيني حين أفتحها
على كثير ولكن لا أرى أحدا!

أسباب تسلط الكفار على المسلمين:

وإذا قال قائل : ألسنا أقرب إلى المؤمنين الصادقين من اليهود؟ فلماذا انتصروا، ولماذا غُلبنا؟
إن اليهود انتصروا بقدر ما اعتبروا بسنن الله في الخلق، والاعتبار بسنن الله جزء هام من الإيمان، وقد ضيعناه نحن، وحفظوه هم. لقد استيقظوا ونمنا، وتعلموا وجهلنا، وجدُّوا وتخلفنا، وتعاونوا وتخاذلنا، وأعدوا العدة للغد، ونسينا نحن واجب اليوم. وبذل القوم العرق والدم، ولم نبذل نحن غير الدمع، فأي الفريقين في هذا الموقف أقرب إلى منطق الإيمان الحق؟
إن سنن الله في الرقي والهبوط، والنصر والهزيمة، لا تظلم أحداً، ولا تحابي أحداً، من أخذ بأسباب النصر ظفر به ولو كان يهودياً، ومن سلك طريق الهزيمة أدركته ولو كان إلى الإسلام منتسباً.
نضرب مثلاً بالمسلمين في معركة أحد؟ لقد غلطوا غلطة دفعوا ثمنها سبعين شهيداً، فيهم حمزة عم الرسول ، ومصعب بن عمير، وسعد بن الربيع وأنس بن النضر، وغيرهم من المؤمنين الأبطال، ولم يغن عنهم أن قائدهم رسول الله ، وأن أعداءهم عباد الأوثان . .
وسجل ذلك القرآن، وهو الحكم العدل، على المسلمين فقال: ( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها، قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم، إن الله على كل شيء قدير )
واقرأ معي أيها المسلم هذه الآيات الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتٍ أو انفروا جميعاً ) (النساء: 71). ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) (الأنفال: 60) وقوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله لعلكم تفلحون. وأطيعوا الله ورسوله و لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) (الأنفال: 45، 46).
هل عملنا بهذه الآيات؟ إننا لم نأخذ حذرنا، بل أخذنا على غرة، ونحن في غفلة من أمرنا . . . ولم نُعِدّ ما استطعنا من قوة، وهكذا غفلنا عن أسلحتنا وأمتعتنا فمالوا علينا ميلة واحدة. كما ذكر القرآن الكريم (إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء (ود الذين كفروا لو تغفلوا عن أسلحتكم وأمتعتكم، فيميلون عليكم ميلة واحدة) الآية 102).
ولما لقينا عدونا لم نثبت كما أمر الله الذين آمنوا، ولم نذكر الله كثيراً – بل ولا قليلاً – ولم نطع الله ورسوله، بل ذهبنا نُرفّهُ عن الجنود بالغناء الماجن، والرقص الخليع، ولم نحذر ما نهى الله عنه من التنازع، ففشلنا، وذهبت ريحنا.
فكيف بعد ذلك نضع أنفسنا في عداد المؤمنين الذي عناهم القرآن؟ وكيف ننتظر ما وعد الله، ولم نَفِ بما شرط الله؟!
إنه لمجون منا أن نطلب نصر الله ونحن لم ننصر الله، وأن نطلب منه جزاء المؤمنين، ولا نطلب من أنفسنا أوصاف المؤمنين؟. إن علينا أن نصدُق الله فيصدقنا الله. أعني أن نكون مؤمنين حقاً، نرضى بالله وحده رباً، وبالإسلام منهجاً، وبالرسول قدوةً، وبالقرآن إماماً، وأن نبرأ من العبودية لغير الله في كل شيء: في عقائدنا وأفكارنا، في أخلاقنا وسلوكنا، في تشريعنا ونظم حياتنا.
بهذا الإيمان وحده نظفر بالسعادة والنصر والعزة التي كتبها الله للمؤمنين في الدنيا، فضلاً عن رضاه ومثوبته في الآخرة.

ألا يوجد مؤمنون صالحون:

بلى يوجد، ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة، ولكنهم قليل، وهم مع قلتهم مبعثرون كالحبات المتناثرة لم ينتظمها عقد، وكثير منهم أدركه اليأس من الإصلاح فألقى السلاح، وترك الميدان للغزو الفكري الكافر الفاجر الماكر، وبعضهم اكتفى بالعويل والنواح، والبكاء على الأطلال، والاستغراق في الحوقلة والاسترجاع، دون أن يقدموا شيئاً جاداً أو عملاً إيجابياً، وبعضهم وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وضعفوا واستكانوا، وبعضهم . . . . و بعضهم . . . . .

كيف يعود المسلمون إلى دينهم:

الحل أن يتنادى أهل العلم بالعودة إلى الإسلام الصحيح، عقيدةً، وشريعةً، وأخلاقاً، ويذكِّروا بذلك قومهم، مبشرين ومنذرين، فبالإسلام وحده ينتصرون ويسودون، به وحدتهم وقوتهم، وفيه – دون غيره – عز الدنيا وسعادة الآخرة . . . وأن يوحد هؤلاء جهودهم لتحرير أمتهم من الجمود القديم، والتحلل الجديد.. وأن يكون هؤلاء الغيورون على علم بطبيعة عصرهم، ومتطلبات زمانهم، وأحوال مجتمعهم، وما يتنازعه من تيارات، وما يكتنفه من مشكلات، فيواجهوها، بمنطق العلماء الدارسين المتخصصين، لا بعقلية المقلدين أو المهرجين. وأن يتسلحوا بالصبر واليقين لمقاومة تلك الموجة المادية الطاغية، التي اكتسحت ديار المسلمين، وغزت عقولهم وقلوبهم بصورة مفزعة، حتى سماها داعية إسلامي كبير ” ردة ولا أبا بكر لها “.
فإذا صبروا على حر المعركة بينهم وبين الباطل، وأيقنوا بصدق ما معهم من آيات الله، وآثروا الله ورسوله والجهاد في سبيله على كل ما يحرص الناس عليه من أهل وعشيرة ومال ووطن، استحقوا أن يجعلهم الله أئمة، ويجعلهم الوارثين، ويمكن لهم في الأرض، كما قال تعالى: ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) (السجدة: 24).