التعبير بكتاب علمي أو كتاب يقوم على العلم من التعبيرات الاصطلاحيّة التي يفسِّرها واضعوها حَسَب ما يتَّفقون عليه، وبعيدًا عن ذلك نقول:
القرآن كتاب علميٌّ بمعنى أنه يُعلم الناس ما يُهِمُّهم من أمور دينهم ودنياهم، وذلك معنى الهداية التي جاءت في قوله تعالى: (إنَّ هَذا القُرآنَ يَهدي للتي هِيَ أَقْوَمُ) (سورة الإسراء :9) وقوله: (قد جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وكِتاب مُبِينٌ . يَهدِي به اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَه سُبل السّلامِ ويُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّور بإذْنِه ويَهدِيهِمْ إلَى صِراطِ مُستَقيمٍ) (سورة المائدة : 15 ، 16).
أمَّا أن يكون القرآن كتابًا علميًّا بمعنى أنه يُعلِّم الناس العلوم كالطِّب والهندسة والرياضة والجغرافيا والطبيعة والكيمياء، فليس ذلك من مُهمته، وإنّما مهمته في هذه الناحية أن يأمر بالتعلُّم والتعليم لكل ما يُمكن أن يستفيد منه الناس في أمور الدّين والدُّنيا، وأن يضع الآداب، التي تجعل العلم يستخدم في المَصلحة. والقرآن مليءٌ بالآيات التي تدعو إلى الله وترفع شأن العلماء الذين يبتغُون الخير من علمهم، بصرف النظر عن مادة العلم ما دام الهدف خيرًا.
ومن الآيات التي تُبَيِّن ذلك قوله تعالى: (ألَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوانُها ومِن الجِبال جُدُدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلوْانُها وغَرابِيبُ سُودٌ . ومِنَ النّاسِ والدّوابِّ والأنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذَلِكَ إنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلْمَاءُ) (سورة فاطر : 27 ، 28).
فهذا رفع لقدر العلماء في كل المجالات المتقدّمة في الآيتين، علماء الفلك والطبيعة الكيمياء والنبات وطبقات الأرض والحيوان والطب والهندسة والاجتماع والتاريخ … لأنّهم عند إنصافهم وتعمُّقهم في هذه العلوم سيُدركون أنّ وراء هذا الخلق البديع سِرًّا كبيرًا، وأن قوة أخرى فوق المادة هي التي صنعت هذا الكون وسيرتَه حسب النواميس الثابتة. وتلك هي قوة الله تعالى، وكم من علماء في هذه المجالات آمنُوا بوجود الله بعد كُفرِهم به (اقرأ كتاب: “الله يتجلَّى في عصر العلم” ، الذي ألَّفه الباحث الدِّيني الاجتماعي “جون كلوفر مونسما” .
وأما كون القرآن يقوم على العلم ولا يتناقَض معه في كل العصور والأزمان فتلك حقيقة لا شكَّ فيها، بمعنى أن كل ما جاء فيه من أمور يقال إنها علميّة فهي صادقة، لأنها من صنع الله، والحقائق العلميّة من صنع الله، أما النظريّات التي لا ترتقي إلى درجة الحقيقة فهي من صنع البشر، قد تصدُق فتكون مُطابقة لما عند الله، وقد تكذِب فتُخالِفه، وهنا لا يجوز مطلقًا أن نفسر القرآن بالنظريّات ، وإنّما نفسِّره بالحَقائق لتوضيح ما فيه، والموضوع طويل لا يتّسع المجال لشرحه، يمكن الرجوع إليه في كتاب “دراسات إسلاميّة لأهم القضايا المعاصرة”.