بداية الزاني إذا تاب من الزنا فعليه أن يحسن التوبة ولا يخبر أحداً بزناه، وليستتر بستر الله، لقوله ﷺ: “من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله” يعني الحد. وفي رواية “فليستتر بستر الله وليتب إلى الله” رواه الحاكم.
ومتى تاب الزاني إلى الله توبة نصوحا فلا حرج عليه أن يتزوج من شاء من المحصنات العفيفات.
أما قوله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) سورة النور (3)، فهي تتحدث عن الزاني الذي لم يتب من الزنا والزانية المقيمة على الزنا، وقد اختلف العلماء في تزوج العفيف بالزانية وتزويج العفيفة بالزاني، فمنعه الإمام أحمد لهذه الآية ولحديث مرثد المتقدم الذي نهاه فيه النبي ﷺ عن نكاح الزانية، ورجح هذا القول الإمام ابن القيم رحمة الله تعالى وقال إن الآية صريحة في ذلك.
وذهب الجمهور ومنهم مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى جوازه مع الكراهة، وأجابوا عن حديث مرثد بأن الزانية التي في الحديث كانت مشركة. وأجابوا عن الآية بجوابين:
أحدهما: أن الآية منسوخة بقوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم)، كما تقدم.
الثاني: هو أن المراد بالنكاح في الآية هو الزنا بعينه، والغرض التنفير من الزنا وتقبيحه، ورجح الإمام الطبري هذا القول فقال: لو كان المراد بالآية النكاح لكان المعنى أن الزاني لا يجوز له أن يتزوج إلاّ الزانية أو المشركة، ومعلوم أنّ الزاني المسلم لا تحل له المشركة، لقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ) وكذلك الزانية لا يحل لها الزواج بالمشرك فتبين أن معنى الآية أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة.
والراجح والله أعلم ما ذهب إليه الجمهور من جواز تزوج الزانية مع الكراهة بعد استبراء رحمها، وأن تكون ممن يجوز نكاحها وهي المسلمة أو الكتابية.
والله أعلم.