جاء تشريع الأُضحية في السنة الثانية للهجرة، قال سبحانه وتعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وتُتيح الأضحية للعباد التقرُّب من ربّهم، وشكره على ما مَنّ به عليهم، كما أنّ فيها استشعارٌ وإحياءٌ لسُنّة نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- مع ابنه إسماعيل -عليه السلام-؛ وذلك حين أمر الله -تعالى- إبراهيم بذَبحه، فاستجابا لأمره، إلّا أنّ الله حال بينه وبين ذَبْحه ابنه، وفَداه بكبشٍ عظيمٍ.
ما هي الأضحية:
الأضحية شعيرة من عامة شعائر الله تعالى التي يجب تعظيمها، وأطلق عليها القرآن الكريم هذا اللقب على وجه الخصوص للإشارة إلى كون الاضحية من مناسك الحج، وهدي إبراهيم عليه السلام، وحرمتها لا تقل أهمية من حرمة بقية الشعائر المشروعة، يقول الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ..) الآية، وكانت البدن وهي البعير الثمين وما يدخل في هذا المعنى من الأنعام تعتبر من مناسك الحج، لذلك نالها حرمة وبركة أعمال الحج، والشعيرة هي المعلم الواضح الذي ارتضاه الله لعبادته وللتقرب إليه، وكون الأضحية من هذه الشعائر الدينية فلا بد أن يتقيد فيها بما ورد في القرآن الكريم وبينه نبينا – ﷺ – بسنته، وهنا نتطرق لهديه عليه الصلاة والسلام في اختيار الأضحية وأوصافها وشروطها لأنها ليست ممن يتسع المجال للاجتهاد.
كيف كان هدي النبي ﷺ في الأضاحي:
– كان من هديه ﷺ في الأضاحي أنه لم يكن يدع الأضحية، وكان يضحي بكبشين، وكان ينحرهما بعد صلاة العيد، وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء، وإنما هو لحم قدمه لأهله. يقول ابن القيم: هذا الذي دلت عليه سنته ﷺ وهديه لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة، بل بنفس فعلها، وهذا هو الذي ندين الله به.
– وكان من هديه ﷺ اختيار الأضحية واستحسانها، وسلامتها من العيوب، (ونهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن) أي مقطوعة الأذن ومكسورة القرن، النصف فما زاد، ذكره أبو داود. وأمر أن ينظر إلى سلامتها، وأن لا يضحى بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء. والمقابلة هي التي قطع مقدم أذنها، والمدابرة التي قطع مؤخر أذنها، والشرقاء التي شقت أذنها، والخرقاء التي خرقت أذنها. ونهى أن يضحى بالمريضة البين مرضها.
– وكان من هديه ﷺ أن يضحي بالمصلى، ذكره أبو داود (عن جابر أنه شهد معه الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره، وأتي بكبش فذبحه بيده، وقال: (بسم الله، والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) . وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا، وإذا قتلوا أن يحسنوا القتلة.
– وكان من هديه ﷺ أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، ولو كثر عددهم، كما قال عطاء بن يسار: «سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله ﷺ؟ فقال: (إن كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون» ) .
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والحديث دليل على جواز الأكل من الأضحية، والتصدق بجزء منها على الجيران والاقارب والأصحاب.
– ومن جملة هديه ﷺ في التذكية مما يجب على المسلم مراعاته:
1-استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: ضحى النبي ﷺ يوم العيد بكبشين فقال حين وجههما.. الحديث.
2- الرفق بالذبيحة وإراحتها عند الذكاة، بأن تكون الذكاة بآلة حادة، وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة؛ لقول النبي ﷺ: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم؛ فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم؛ فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) رواه مسلم.
3- الإبل تنحر قائمة معقولة يدها اليسرى؛ لقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ) (الحج: 36) قال ابن عباس رضي الله عنهما: قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي ﷺ وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها. يقول ابن عثيمين رحمه الله: فإن لم يتيسر له نحرها قائمة؛ جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة لحصول المقصود بذلك.
4- غير الإبل يذبح مضجعة على جنبها، ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها؛ لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله ﷺ بكبشين أملحين ـ وفي رواية: أقرنين ـ فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده.
5- أن تبعد الذبيحة عن رؤية السكين، يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها، قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً، وتوارى السكين عنها، ولا يظهر السكين إلا عند الذبح، أمر رسول الله ﷺ بذلك أن توارى الشفار.
6- زيادة التكبير بعد التسمية فيقول: بسم الله والله أكبر؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ ضحى بكبشين يسمي ويكبر. متفق عليه. ويفهم من حديث آخر أنه كان من هدي ﷺ أن دعا بقبول الأضحية منه.