أحلت المتعة في صدر الإسلام لما كان الصحابة رضوان الله عليهم يغزون مع رسول الله ﷺ وليست نساؤهم معهم لما في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنا نغزوا مع رسول الله ﷺ ليس معنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل..).
ثم بعد هذا الترخيص فيها نهاهم عنها نهياً سرمدياً إلى يوم القيامة، لما ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي ﷺ قال: “يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً.
وقد يقفز للذهن سؤال وهو لما كان مثل هذا النكاح حلالا في صدر الإسلام ثم حرِّم بعد ذلك، وهو أن نكاح المتعة كان مباحا في زمن كان لا يتورع فيه عن انتهاكات المحرمات، وكان الزنا فيه من الأمور السهلة الميسورة، وقد تدرجت الشريعة الإسلامية لتحريم العلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة وقصر العلاقة بينهما على علاقة الزواج القائم على الأركان والغرض فيه إقامة أسرة تكون نواة في مجتمع إسلامي.
ولذلك جاء التدريج في التشريع، جريا على التدريج الذي اتبعته الشريعة في إيجاب الواجبات، وتحريم المحرمات، رفقاً بالناس، إذ يصعب نقلهم جملة واحدة من واقع يشرب فيه الخمر، ويمارس فيه الزنا، ويؤكل فيه الربا، إلى غير ذلك من المحرمات، إلى واقع يحرم ذلك كله، فحرمت المحرمات، ووجبت الواجبات على التدريج، حتى استقرت الأحكام على ما نحن عليه.
يقول تعالى: (ماننسخ من آيةٍ أوننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) [ البقرة : 106]، فالنسخ أو الإباحة لحكم ما في فترة ثم تحريمه لايجوز الاعتراض عليه، لأنه من لدن حكيم خبير سبحانه وتعالى، ولما أبيحت المتعة في أول الإسلام لم تكن (زنا) حال إباحتها، وإنما حرمت بعد ذلك، لما رواه مسلم في صحيحه من حديث سَـبُرة الجهني أنه كان مع رسول الله ﷺ فقال: “يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإنَّ الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً.
وما رواه البخاري ومسلم من حديث الحسن وعبد الله ابني محمد ابن الحنفية عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس: “نهى رسول الله ﷺ عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية”..