يقول أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر من علماء الأزهر الشريف:
العباسيون: هم أبناء عباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي، عم النبي ﷺ وكافله بعد أخيه أبي طالب وصاحب السقاية والعمارة.
ولد قبل النبي عليه الصلاة والسلام بسنتين ، ودخل في دينه قبل هجرته إلى المدينة، وكان يكتم إسلامه بناء على توجيه منه ﷺ ، وقد شهد العقبة الثانية ليستوثق لابن أخيه من الأنصار، وشهد معه مشاهدكثيرة، منها: فتح مكة، وغروة حنين ،والطائف ، وغروة تبوك ، وعاش ﷺ حتى شارك في دفن الرسول ﷺ والصلاة عليه ،وتوفي سنة اثنتين وثلاثين هجرية ستمائة واثنتين وخمسين ميلادية، وله من العمر ثمان وثمانون سنة، بعد أن أدرك خلافة الشيخين ، والشطر الأكبر من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي صلى عليه وشارك في دفنه.
والعباس وإن كان أقرب إلى النبي ﷺ من علي كرم الله وجهه ، فإنه لم يستشرف للخلافة ، لعدم توافر شرطها الأساسي فيه وهو السبق إلى الإسلام ، ووقف بجانب علي رضى الله عنه يؤيده ويحضه على المطالبة بحقه ونسج على هذا المنوال نفسه أبناؤه العشرة من بعده ، وهم: 1- الفضل ، وبه كان يكنى. 2- عبدالله. 3- عبيدالله. 4- قثم. 5- عبدالرحمن. 6- معبد. 7- الحارث. 8- كثير. 9- عون. 10- تمام. فأطاعوا عليا، وشاركوا في حكومته ومعاركه التي دارت رحاها بينه وبين معاوية ابن أبي سفيان ، ولما مالت كفة الصراع إلى غير صالحه أخذوا يتوجهون إلى الأمويين ،ففارقه عبدالله مستقيلا من البصرة، وفارق أخوه عبيدالله ولده الحسن ، وآوى إلى معاوية. ولما تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة، ونزل أخوه الحسين على إرادته ، اعتقد العباسيون أن حقهم فيها قد سقط ، وأنهم وحدهم صاروا أصحاب هذا الحق ، فهادنوا الأمويين ونالوا جوائزهم ، وفي الوقت نفسه راحوا يعدون أنصارهم للدعوة إليهم وأخذه عنوة من الأمويين وكانوا ينتظرون ثلاث علامات:
إحداها: هلاك يزيد بن معاوية.
والثانية: مجىء العام المكمل للمائة.
والثالثة: قتل يزيد ابن أبي مسلم وانتفاض البربر.
ولما تم لهم ما أرادوا أخذوا في الدعوة إلى أنفسهم وفق برنامج غاية في الدقة والعمق ،فجعلوا للدعوة مراكز ثلاثة: -الحميمة، وفيها يقيم الإمام.
-والكوفة، وفيها يقيم نائبه الأول على العراق ،
-وخراسان، وفيها يقيم نائبه الثاني وأتباعه من الدعاة والنقباء.
وكان الاتصال بين هذه المراكز مرتبا ترتيبا دقيقا ، إذ تخرج التوجيهات من الإمام في الحميمة إلى نائبه في الكوفة، ومنه إلى نائبه الثاني في خراسان ، ولكي لا يخفى على الإمام شيء من أخبار الدعوة وأسرارها فإنه كان يلتقي في موسم الحج من كل عام بنائبيه فى العراق وخراسان والدعاة السبعين ونقبائهم الاثني عشر، الذين كان ثمانية منهم من العرب وأربعة من الموالي. كانت الدعوة في بدايتها للرضا من أهل البيت ، وذلك حتى لا يشغب أبناء فاطمة على العباسيين ويجهضوا دعوتهم قبل أن تبلغ الهدف وتدرك الغاية.
تبقى المراحل التي عبرتها الدعوة حتى أتت أكلها وهي المرحلة السرية: وكانت أطولها فقد بدأت سنة مائة وانتهت سنة مائة وتسع وعشرين. أما المراحل الخمس الأخرى هي:
1- الجهرية.
2- المواجهة المسلحة.
3- الفتح.
4- قيام الدولة.
5- الانتقام. وقد مرت عبرثلاث سنين ما خلا مرحلة الانتقام فقد استغرقت خلافة السفاح ،وهو أول من بويع له بالخلافة من بني العباس.
وقد حكمت الخلافة العباسية العالم الإسلامي من سنة مائة واثنتين وثلاثين هجرية سبعمائة وتسع وأربعين ميلادية إلى سنة ستمائة وثمان وخمسين هجرية ألف ومائتين وستين ميلادية. حيث سقطت على أيدى المغول ، الذين خربوا بغداد، وألقوا ما في مكتباتها في دجلة، وحرموا العالم من تراث علمي وفني، لو أنه بقي لغير وجه الدنيا، وعدل مسار التاريخ.
والذى يستعرض إنجازات هذه الخلافة يلاحظ أنها رفعت صرح الحضارة الإسلامية، ونشرت أضواءها شرقا وغربا، ففيها ترجمت إلى العربية ما تفتقت عنه العقول البشرية من الآداب ، والعلوم ، والفنون ،وفيها ازدهرت النهضة الفقهية والمذهبية التي لم ير العالم لها نظيرا من قبل ولا من بعد. وبعد، فهؤلاء هم العباسيون وهذه هي دولتهم التي رعت الحضارة، ورفعت ألوية المدنية، وأخرجت العالم كله من ظلام الجهل إلى نور العلم.