معنى “المهيمن” في اللغة:
قال بعضُهم: معناه: الأمِين، وهو مَنْ آمنَ غيرَه مِنَ الخوف.
وقال بعضهم: مُهيمن معنى مؤيمن، والهاء بدل من الهمزة.
وقيل: إنَّ”المهيمن”: هو الرقيب الحافظ.
وقيل: إنه الشاهد؛ تقول: فلانٌ مُهيمني على فلان، إذا كان شاهدُك عليه.
اسم الله “المهيمن” في القرآن العظيم:
ورد الاسمُ مرةً واحدة في قوله تعالى: (الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) (الحشر: 23).
وذكر الله معناه في قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكٌتّابّ بالحقّ مصّدقْا لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) (المائدة: 48).
معنى “المهيمن” في حق الله تبارك وتعالى:
قال ابن جرير: وقوله: (الْمُهَيْمِنُ) اختلفُ أهلُ التأويل في تأويله؛
فقال بعضُهم: (الْمُهَيْمِنُ) الشهيد، قاله مجاهد وقتادة وغيرهم.
وقال أيضاً: وأصل الهَيْمنة: الحِفْظ والارْتقاب.
وقال ابن كثير: قال ابنُ عباس وغيرُ واحد، أي: الشَّاهد على خَلْقه بأعْمالهم، بمعنى هو رقيبٌ عليهم ؛كقوله: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المجادلة: 6). وقوله: (ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ) (يونس: 46). وقوله: (أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ) (الرعد:33).
وقال الحليمي:”المُهيمن” ومعناه: لا ينقصُ للمُطِيعين يومَ الحِسَاب مِنْ طاعتهم شيئاً؛ فلا يثيبهم عليه، لأنَّ الثوابَ لا يُعجزه، ولا هو مُسْتكرهٌ عليه فيَحتاجُ إلى كتمانِ بعضِ الأعْمال أو جَحْدها، وليس ببخيلٍ فيَحمله اسْتكثارُ الثواب إذا كثرت الأعمال؛ على كتمانِ بعضها، ولا يَلْحقه نقصٌ بما يُثيب فيَحبس بعضَه، لأنه ليس مُنْتفعاً بملكه؛ حتى إذا نفعَ غيره به زالَ انتفاعه بنفسه. وكما لا ينقصُ المُطيع مِنْ حَسَناته شيئاً، لا يزيدُ العُصاةَ على ما اجْترحوه من السِّيئات شيئاً؛ فيزيدهم عقاباً على ما اسْتحقوه، لأنَّ واحداً مِنَ الكذب والظلم غير جائزٍ عليه، وقد سمّى عقوبة أهلِ النار جزاءً، فما لم يقابل منها ذنباً لم يَكن جزاء، ولم يكن وفاقاً، فدلّ ذلك على أنه لا يفعله.
وقال السَّعدي:”المهيمن”: المُطَّلع على خَفايا الأمور، وخبايا الصُّدور، الذي أحاطَ بكلّ شيء علماً.
من آثار الإيمان باسم الله ” المهيمن”:
1ـ إنَّ الله سُبحانه هو الشاهدُ على خَلْقه بما يَصْدر منهم؛ مِنْ قولٍ أو فعل، لا يَغيبُ عنه من أفعالهم شيء، وله الكمالُ في هذا، فلا يَضِلُّ؛ ولا ينْسَى؛ ولا يغفل: (وّمّا الله بٌغّافٌلُ عّمَّا تّعًمّلٍونّ) (البقرة: 74).
2- جعلَ الله تعالى كلامَه المنزّل على خَاتم أنبيائه ورسله ﷺ؛ مُهَيْمناً على ما قبله مِنَ الكتب، فقال سبحانه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) (المائدة: 48).
قال ابن الحصار: ومعنى قوله تعالى: (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أي: عالٍ، وعُلُّوه على سائر كتب الله، وإنْ كان الكلُّ كلامُ الله تعالى؛ بأمور:
أحدها: بما زادَ عليها من السُّور، فقد جاء في الحديث الصحيح: أنَّ نبينا ﷺ خُصَّ بسورة الحَمْد؛ وخواتيم سورة البقرة.
الثاني: أنْ جَعَله اللهُ قُرآناً عَربياً مبيناً، وكل نبيٍّ قد بيّن لقومه بلسانهم – كما أخبر الله تعالى – ولكن للسان العرب مزيَّة في البيان.
الثالث: أنْ جعلَ نَظْمه وأُسْلوبه مُعْجزاً، وإنْ كان الإعجاز في سائرِ الكتب المنزلة من عند الله سبحانه، من حيثُ الإخْبار عن المُغَيَّبات، والإعْلام بالأحْكام المُحْكمات، وسُننِ الله المشروعات، وغير ذلك، وليس فيها نَظْمٌ وأسْلوبٌ خارجٌ عن المَعهود. فكان أعْلى منها بهذه المعاني، لهذا المعنى الإشارة بقوله الحقّ: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ). (الزخرف: 4).
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.