مَعْنى “المؤمن” في اللغة:
وله معنيان في اللغة:
الأول: التَّصديق. قال الزجاج: أصلُ الإيمان: التَّصديق والثّقة.
وقال الله عزّوجل قائلاً: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا) (يوسف: 17) أي: لفَرْط مَحبتك ليُوسف؛ لا تُصدِّقنا.
والثاني: الأمانُ الذي هو ضِدّ الإخافة. قال تعالى: (وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش:4).
اسم الله “المؤمن” في القرآن الكريم:
ورد في آيةٍ واحدة هي قوله تعالى: (السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) (الحشر: 23).
معنى “المؤمن” في حق الله تبارك وتعالى:
قال الضحاك عن ابن عباس:” المؤْمن” أي: أمنَ خَلْقُه مِنْ أنْ يظلمهم.
وقال قتادة: المؤمن: آمنَ بقوله أنه حقٌّ قال ابن جرير:” المؤْمن” الذي يُؤمّنُ خَلْقه مِنْ ظُلْمه. ونَسَبه إلى قتادة.
وقال الشوكاني:”المُؤْمن” أي: الذي وَهَبَ لعبادِه الأمْنَ مِنْ عذابه، وقيل: المُصدّق لرُسلهِ بإظْهار المُعجزات. وقيل: المُصَدّق للمُؤمنين بما وَعَدهم به مِنَ الثّواب، والمُصَدّق للكافرين بما أوْعَدَهم به مِنَ العذاب.
وقال مجاهد: المُؤمن الذي وَحَّد نفْسَه؛ بقوله: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ).
وقال السَّعدي:” المُؤْمن” الذي أثْنى على نفْسه بصفاتِ الكمال، وبكمال الجَلال والجَمَال، الذي أرسلَ رُسله؛ وأنزلَ كتبه بالآياتِ والبراهين، وصَدَّق رُسُله بكلِّ آيةٍ وبُرهان؛ يدلُّ على صِدْقهم؛ وصحَّة ما جَاءوا به.
من آثار الإيمان باسم الله “المؤمن”:
1- إنَّ الله سبحانه وتعالى هو المُؤمن؛ المُوحّدُ لنفْسه، وقد أخبر تعالى عن وَحْدانية نفسه؛ في قوله تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) (آل عمران: 18). فالله صَدّق نفْسَه بهذا، وتَصْديقه عِلمه بأنه صادقٌ، وهذا التَّصديق إيمانٌ.
وأخبر تعالى أنه سيُري خَلْقه علاماتِ وحدانيته؛ ودلائل إلهيته وعظمته، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت: 53).
2- إنه سبحانه صدَّق أنْبياءه بإظهار الآيات الباهرة على أيديهم، التي تبيّن للناس أنهم صادقون في ادّعائهم أنهم رسلُ الله، ولتَحْملهم على الدُّخول في دين الله، قال تعالى: (إنَّ فٌي ذّلٌكّ لآيّةْ لَّكٍمً إن كٍنتٍم مَؤًمٌنٌينّ) (آل عمران: 49). وقال: (وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ) (آل عمران: 50).
3- إنّه تعالى يُصدِّق عباده ما وَعَدهم به من النَّصر في الدُّنيا، والتَّمكين في الأرض، ومِنَ الثواب في الآخرة، ويُصدّق الكفار ما أوْعدهم مِنَ العقاب؛ والخُذْلان في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55).
ومَنْ نَظَر إلى سِيرة النبيّ ﷺ؛ وخَلفائه الراشدين، عَلِم صدقَ وعدِ الله لعباده المُخْلصين. وفي الآخرة، يقول الله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ) (الأعراف: 44). وقال: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (الزمر: 74).
4- إنه يأمنُ عذابَه مَنْ لا يَسْتحقه، ويهبُ الأمْن لعباده المؤمنين يوم القيامة، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82). وقال تعالى: (أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (فصلت: 40). وقال: (لا يَحزنهم الفَزَعُ الأكبرُ) (الأنبياء: 103). وقال: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (النمل: 89).
5- والمُسْلمُ المؤمنُ؛ يجَبُ عليه أنْ يأمن المؤمنون شرَّه وغوائله. فقد قال ﷺ:”والله لا يُؤمنُ؛ والله لا يُؤْمن؛ والله لا يُؤْمن”؛ قيل: ومَنْ يا رسول الله؟ قال: الذي لا يَأمنُ جارُه بَوَائقه. أي: لا يكونُ الرجلُ مؤمناً كاملَ الإيمان، حتى يَأمنَ جارُه بوائقه. أي: شُروره وغوائله.
وقال ﷺ أيضاً:” المُسْلم مَنْ سَلِم المُسْلمون؛ مِنْ لسانه ويده”.
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ في حَجّة الوداع:”ألا أُخْبِرُكم بالمُؤْمن؟! مَنْ أَمِنَه الناسُ على أمْوالهم وأنْفسِهم، والمُسْلم مَنْ سَلِم الناسُ؛ مِنْ لسانِه ويده” .
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.