الواجب على الذي لا يطيق الصيام كالرجل الهرم وكذا المرأة الهرمة، إطعام مسكين عن كل يوم من رمضان، ويلحق بهما المريض مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه إطعام المسكين المذكور في قوله تعالى { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} يقدر بمدٍ وهو ربع صاع والصاع يساوي 2176 غراماً وربعه المد ويساوي 544 غراماً، ويجوز إخراج القيمة بدلاً من الطعام على الراجح من أقوال العلماء.
يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 183-184.
وقد اختلف أهل التفسير في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } هل هذه الآية منسوخة أم أنها محكمة؟
وأرجح أقوال العلماء أن الآية الكريمة ليست منسوخة، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكيناً)صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 8/225.
وقد روى الإمام الطبري بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: { وعلى الذين يطوقونه} قال: يتجشمونه يتكلفونه.
وروى الإمام الطبري بإسناده أيضاً عن مجاهد عن ابن عباس في قوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكيناً.
وروى الإمام الطبري بإسناده أيضاً، عن ابن عباس قال:{ الذين يطيقونه}، يتكلفونه، فدية طعام مسكين واحد، ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم، أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى ثم قال الطبري:[ هذا عن مجاهد.] تفسير الطبري 3/431.
وبناءً على أن الآية محكمة يكون معناها وعلى الذين يطيقون الصيام بصعوبة بالغة، أي يلاقون جهداً ومشقة وتعباً في الصوم، فلهم أن يفطروا وعليهم إطعام مسكين عن كل يوم يفطرونه.
قال الإمام البخاري: [ وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كبر عاماً أو عامين كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً وأفطر]. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 8/225.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[وإذا عجز عن الصوم لكبر أفطر، وأطعم لكل يوم مسكينا. وجملة ذلك أن الشيخ الكبير والعجوز إذا كان يجهدهما الصوم، ويشق عليهما مشقةً شديدةً فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكيناً، وهذا قول علي وابن عباس وأبي هريرة وأنس وسعيد بن جبير وطاووس وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي.
وقال مالك: لا يجب عليه شيء؛ لأنه ترك الصوم لعجزه فلم تجب فدية كما لو تركه لمرض اتصل به الموت، وللشافعي قولان كالمذهبين، ولنا الآية، وقول ابن عباس في تفسيرها: نزلت رخصة للشيخ الكبير، ولأن الأداء صوم واجب فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء … ] المغني 3/151.
إذا تقرر هذا فإن الواجب على الذي لا يطيق الصيام كالرجل الهرم وكذا المرأة الهرمة، إطعام مسكين عن كل يوم من رمضان، ويلحق بهما المريض مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه كالمصاب بالسرطان وغيره من الأمراض التي لا يرجى شفاؤها.
وقد اختلف أهل العلم في مقدار طعام المسكين المذكور في الآية الكريمة، فقد ورد عن جماعة من الصحابة كعمر وابنه عبد الله وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين أن ذلك يقدر بمدٍ من الحنطة عن كل يوم من رمضان، فقد روى الدارقطني بإسناده الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أطعم عن كل يوم مداً مداً ).
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:( مداً من حنطة لكل مسكين).
وروى عبد الرزاق في المصنف عن سعيد بن المسيب قال: (هي في الشيخ الكبير، إذا لم يطق الصيام، افتدى مكان كل يوم، إطعام مسكين مداً من حنطة).
وروى عبد الرزاق في المصنف عن عكرمة بن عمار قال: (سألت طاوساً عن أمي وكان بها عطاش – مرض – فلم تستطع أن تصوم رمضان، فقال: تطعم كل يوم مسكيناً…).
ووردت آثار أخرى عن بعض الصحابة والتابعين قدروا الإطعام فيها بمدين، وفي بعضها بصاع أي أربعة أمداد، وأرجحها التقدير الأول.
والذي يظهر أن المد كان يكفي المسكين طعاماً ليومه، ويؤيد ذلك أن مقدار الإطعام في كفارة اليمين هو مد لكل مسكين من المساكين العشرة كما هو قول جمهور أهل العلم، فقد ذكر مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مداً من حنطة.
وروى مالك عن سليمان بن يسار أنه قال: [أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مداً من حنطة بالمد الأصغر ورأوا ذلك مجزئاً عنهم].
قال الحافظ ابن عبد البر: [والمد الأصغر عندهم مد النبي ﷺ ] الاستذكار 15/87-88.
والمقصود بالطعام في الكلام السابق أي يطعم من غالب قوت أهل البلد، وكانوا يطعمون الحنطة والشعير والتمر، وأما في زماننا فلأرز والطحين هما غالب قوت الناس.
وينبغي التنبيه على أنه يجوز إخراج القيمة بدلاً عن الإطعام، أي إعطاء المسكين نقوداً بقيمة الطعام وذلك قياساً على جواز إخراج القيمة في الزكاة وفي صدقة الفطر والكفارات وهو مذهب الحنفية ونقل هذا القول عن جماعة من أهل العلم منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري ونقل عن جماعة من الصحابة أيضاً وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى وهو الذي يحقق مصلحة الفقير وخاصة في هذا الزمان وهو قول وجيه تؤيده الأدلة الكثيرة ومنها:
أن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن الرسول ﷺ وعن جماعة من الصحابة فمن ذلك ما ورد عن طاووس قال معاذ باليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج. وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال:باب العرض في الزكاة وذكر أثر معاذ السابق واحتجاج البخاري بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 4/54.
ونقل الحافظ عن ابن رشيد قال: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. وفعل معاذ مع إقرار النبي ﷺ على ذلك يدل على جوازه ومشروعيته وكذلك فإن سد حاجة المسكين تتحقق بالنقود أكثر من تحققها بالأعيان وخاصة في زماننا هذا لأن نفع النقود للفقراء أكثر بكثير من نفع القمح أو الأرز لهم ولأن الفقير يستطيع بالمال أن يقضي حاجاته وحاجات أولاده وأسرته.
وأخيراً ننبه على جواز إخراج هذه الفدية في أول رمضان أو في آخره أو بعد رمضان حسب الوسع والطاقة، ويجوز إعطاؤها لمسكين واحد أو أكثر، والأفضل دفعها لأسرة فقيرة محتاجة.
وخلاصة الأمرأن إطعام المسكين المذكور في قوله تعالى { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} يقدر بمدٍ وهو ربع صاع والصاع يساوي 2176 غراماً وربعه المد ويساوي 544 غراماً، ويجوز إخراج القيمة بدلاً من الطعام على الراجح من أقوال العلماء. وينبغي أن لا تقل القيمة عن سبعة شواقل في زماننا هذا. (الدولار يساوي 4.5شيكل تقريبا).