يقول الأستاذ الدكتور أحمد يوسف سليمان أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة
مر الحديث النبوي بعدة مراحل:
المرحلة الأولى: هي مرحلة الكتابة والتقييد، وكانت هذه المرحلة موجودة منذ حياة النبي ـ ﷺ ـ فإن النبي ـ ﷺ ـ نفسه قد دعا أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ إلى حفظ حديثه، وأباح لهم كتابته، ونقله إلى من لم يسمعه، ومن أقواله في هذا المجال ـ قوله ـ ﷺ ـ: “ليبلغ الشاهد منكم الغائب” وقوله ـ ﷺ ـ: “نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع
ولما كان العرب أمة أمية فقد شارك الكثير منهم في تحمل أعباء هذه الأمانة بالحفظ، وتحملها القليل منهم بالكتابة، وشجعهم على حفظ ما سمعوه وما كتبوه جودة قرائحهم، وصفاء أذهانهم، وارتباط ما يحفظونه بدينهم الذي هو عصمة أمرهم، وقد تحمل عبء هذه المرحلة الصحابة، ثم التابعون، الذين قال الله ـ عز وجل ـ فيهم: “والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم”(التوبة 100)
المرحلة الثانية: وهي مرحلة التدوين الرسمي الحكومي لسنة النبي ـ ﷺ ـ وأحاديثه، وقد كان هذا التدوين الرسمي الحكومي بأمر الخليفة الراشد سيدنا عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ الذي تولى الخلافة من سنة 99 إلى 101 هـ، وقد أسهم في هذا التدوين الرسمي كل علماء تابعي التابعين في أمصار العالم الإسلامي المختلفة، وقد وصل إلينا من جهود هذه المرحلة صحيفة همام بن منبه وغيرها من المدونات.
المرحلة الثالثة، وهي مرحلة التصنيف والتأليف لهذه المدونات التي جمعت في المرحلة السابقة، وقد وصل إلينا من كتب هذه المرحلة موطأ الإمام مالك، وهو ما يشير إلى أنهم كانوا يجمعون في مصنفات هذه المرحلة الحديث مع فتاوى الصحابة والتابعين، وفي بداية القرن الثالث أفردوا الحديث بالتصنيف في كتب خاصة، ولكن مصنفات هذه المرحلة كانت تجمع بين الحديث الصحيح والضعيف، فلما جاء البخاري كان أول من أفرد الحديث النبوي الصحيح بالتأليف، وقد توفي الإمام البخاري سنة 256 هـ، ثم تبعه إخوانه وتلاميذه في التصنيف في الحديث الصحيح والحسن، وإذا ذكروا غير الصحيح نبهوا عنه.
وهكذا ندرك أن حديث النبي ـ ﷺ ـ وسنته مر في حلقات متواصلة، من الحفظ والدرس والتمحيص والتدقيق، حتى وصل إلينا بفضل جهود علماء الأمة، كما حدّث به النبي ـ ﷺ ـ.