حج بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب مرة واحدة في العمر على كل مسلم بالغ عاقل إذا استطاع إليه سبيلا، أي إذا كانت له القدرة المادية والصحية على أداء هذه الفريضة.
ما هو المباح في الإحرام:
يقول الشيخ عطية صقر-رحمه الله تعالى-رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا:
من المباحات في الإحرام ما يأتي:
1- الاغتسال للنظافة والأغسال المسنونة كالغُسل يوم الجمعة، وكذلك تغيير ملابس الإحرام، روى الجماعة إلا الترمذي أن ابن عباس والمسور بن مخرمة كانا بالأبواء واختلفا في غُسل المُحرم رأسه وأن أبا أيوب الأنصاري أخبر أن الرسول كان يفعله، ودخل ابن عباس حمّام الجحفة وهو مُحرم فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: إن الله ما يعبأ بأوساخنا شيئًا، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن للمُحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك، وروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو مُحْرِم إلا من الجَنَابَة.
واستعمال الصابون للنظافة جائز، وعند الشافعية والحنابلة: لا مانع منه حتى لو كانت له رائحة؛ لأنها غير مقصودة للتطيب.
ويجوز نقض الشعر وتمشيطه كما أمر النبي ﷺ عائشة به ورواه مسلم.
والنووي في شرحه قال: إن ذلك جائز في الإحرام بحيث لا ينتف شعرًا، ولكنه مكروه إلا لعُذر، وذلك خشية سقوط الشعر ووجوب الفدية.
2- ستر الوجه لاتقاء الغُبار أو الريح الشديدة بما لا يلاصق الوجه، فقد روى الشافعي وسعيد بن منصور أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم مُحرمون ـ والتخمير هو الستر.
3- لبس الخفين للمرأة، فقد روى أبو داود والشافعي عن عائشة أن رسول الله ﷺ رخَّص للنساء في الخفين.
4- تغطية الرأس نسيانًا، فلا شيء فيه عند الشافعية كلبس القميص مع النسيان، وأوجب الحنفية فيه الفِدية، وقد تقدم ذلك، وبالمثل النسيان والجهل في التطيب؛ فالقاعدة عند الشافعية أن النسيان والجهل في كل محظور عُذر يمنع وجوب الفِدية فيما عدا الإتلافَ، كالصيد وفيما عدا الحلق وتقليم الظفر على الأصح عندهم.
5- الحِجَامة وفقء الدمل ونزع الضرس والفصد، فقد ثبت احتجام النبي ﷺ في وسط رأسه وهو مُحرم، وهل يا ترى كان مع الحِجامة إزالة شعر أم لا؟ يقول النووي: إذا أراد المُحرم الحِجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام من أجل قطع الشعر، وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك، وعن الحسن البصري: الحِجامة فيها فدية وإن لم يقطع شعرًا، فإن كان لضرورة جازت مع قطع الشعر وتجب الفِدية.
وقال مالك: لا بأس للمُحرم أن يفقأ الدمل ويربط الجُرح ويقطع العرق إذا احتاج، وقال ابن عباس: المُحرم ينزع ضرسه ويفقأ القُرْحَة.
6- حك الرأس والجسد بحيث لا يكون فيه إزالة للشعر، فقد ثبت في البخاري ومسلم وغيرهما أن عائشة رضي الله عنها أجازت ذلك، ورُوي ذلك عن ابن عباس وجابر وغيرهما.
7- النظر في المرآة وشم الريحان. روى البخاري عن ابن عباس أنه جائز، وإذا قال ابن المنذر: إن العلماء أجمعوا على أن المُحرم ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه فإن المكث في مكان فيه روائح عطرية كتجارة العطور فيه خلاف للعلماء، قال الحنفية والمالكية: إنه مكروه سواء قصد شمها أم لم يقصد، وقال الشافعية والحنابلة، إنه حرام عند القصد، جائز عند عدمه، ومع إجازة الشافعية له عند عدم القصد كرهوا الجلوس في هذا المكان الذي فيه العطر، ما لم يكن الجلوس قُربة لله، كالجلوس عند الكعبة وهي تُبخر فلا كراهة فيه. ويجوز حمل زجاجة فيها عطر ولا فدية ما لم يستعمل ما فيها من عِطر.
8- لبس الحزام لشد الإزار أو حفظ النقود، لا مانع منه ومثله الحِزام الطبي، وكذلك يجوز لبس الخاتم، حيث لا يصدق على ذلك لبس المَخيط أو المحيط . قاله ابن عباس.
9- الاكتحال للتداوي لا مانع منه، ما دام بغير طيب، ولا يُقصد به الزينة كما قال ابن عباس.
10- الوقاية من المطر أو الحر بمثل المظلة أو الخيمة ما دام ذلك لا يغطي الرأس، فقد روى مسلم أن أسامة بن زيد وبلالاً كانا مع الرسول ﷺ في حجة الوداع أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمر العقبة. وأخرج ابن أبي شيبة أن عمر رضي الله عنه كان يطرح النطع على الشجرة فيستظل به وهو مُحْرِم، وأَجاز عطاء بن أبي رباح الاستظلال من الشمس واتقاء الريح والمطر، وحكى إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد أنه طرح على رأسه كِساء يستكن به من المطر وهو محرم.
11- الخضاب بالحناء، فقد أجازته الحنابلة فيما عدا الرأسَ وأجازته الشافعية فيما عدا اليدين والرِّجْلين لغير حاجة، ولا يغطي رأسه بحناء ثخينة. كما كرهوا للمرأة الخِضاب بالحناء حال الإحرام. إلا إذا كانت مُعتدة من وفاة فيحْرُمُ عليها ذلك، كما يحرم عليها الخِضاب إذا كان نقشًا، أي للزينة.
والحنفية والمالكية حرَّموه للرجل والمرأة في أي جزء من البدن؛ لأنه طيب وهو ممنوع، مُستدلين بحديث رواه الطبراني في الكبير والبيهقي وابن عبد البر عن خولة بنت حكيم عن أمها أن النبي ﷺ قال لأم سلمة رضي الله عنها “لا تطيبي وأنت مُحْرِمة، ولا تَمَسي الحناء فإنه طيب.
12- قتل الحشرات المُؤْذية، مثل النمل والقراد، الصغير منه والكبير، كما جاء عن ابن عباس وعطاء.
13- قتل الحيوانات والطيور المُؤذية فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: “خمسٌ من الدواب كلهن فاسق، يُقتلن في الحرم -وفي رواية مسلم: والحِل- الغُراب والحِدأة والعَقرب والفأرة والكلب العقور”، وزاد في رواية البخاري الحية فيكون العدد ستًا لا خمسًا.
وأطلق عليها الفواسق والفُسق هو الخروج؛ لأنها خرجت عن حُكم غيرها من الحيوانات في تحريم المُحرم لها، وقيل: لخروجها عن غيرها في حِل الأكل، أو لخروجها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع.
وقد اتفق العلماء على أن غُراب الزرع وهو الصغير الذي يأكل الحب لا يقتل، والكلب العقور يعم كل ما يعقر الناس ويُخيفهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب، وقال الحنفية: إن لفظ الكلب قاصر عليه لا يلحق به غيره ما عدا الذئب فهو مثله. وابن تيمية يبيح للمحرم أن يقتل كل ما يؤذي حتى لو كان آدميًا لا يندفع إلا بقتله فالدفاع مشروع، ومن قتل مدافعًا عن نفسه أو ماله أو دينه أو عِرْضه فهو شَهِيدٌ.
هذا وقد قال العلماء: يجوز للمُحرم أن يضرب خادمه للتأديب، فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه أن أبا بكر رضي الله عنه ضرب خادمه الذي ضلَّ منه بعيره، ورسول الله ﷺ حيث كان رفيقًا له في حجة الوداع يبتسم ولم يزد على قوله “انظروا لهذا المُحرم ما يصنع.