يقول الإمام ابن كثير وقوله “ما فرطنا في الكتاب من شيء” أي الجميع علمهم عند الله ولا ينسى واحدا من جميعها من رزقه وتدبيره سواء كان بريا أو بحريا كقوله “وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين” أي مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها وحاصر لحركاتها وسكناتها وقال تعالى “وكأين من دآبة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم”.
ويقول الإمام القرطبى ( ما فرطنا فى الكتاب من شىء) في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث.
وقيل: أي في القرآن أي ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن; إما دلالة مبينة مشروحة, وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام, أو من الإجماع, أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب; قال الله تعالى: “ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [النحل:89] وقال: “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” [النحل: 44] وقال: “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” [الحشر: 7] فأجمل في هذه الآية وآية (النحل) ما لم ينص عليه مما لم يذكره, فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره, إما تفصيلا وإما تأصيلا; وقال: “اليوم أكملت لكم دينكم” [المائدة: 3].
ويقول الإمام الطبرى ـ رحمه الله ـ
القول في تأويل قوله تعالى : {وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: قل لهؤلاء المعرضين عنك المكذبين بآيات الله: أيها القوم, لا تحسبن الله غافلا عما تعملون, أو أنه غير مجازيكم على ما تكسبون, وكيف يغفل عن أعمالكم أو يترك مجازاتكم عليها وهو غير غافل عن عمل شيء دب على الأرض صغير أو كبير ولا عمل طائر طار بجناحيه في الهواء؟ بل جعل ذلك كله أجناسا مجنسة وأصنافا مصنفة, تعرف كما تعرفون وتتصرف فيما سخرت له كما تتصرفون, ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها, ومثبت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب, ثم أنه تعالى ذكره مميتها ثم منشرها ومجازيها يوم القيامة جزاء أعمالها .
يقول: فالرب الذي لم يضيع حفظ أعمال البهائم والدواب في الأرض والطير في الهواء حتى حفظ عليها حركاتها وأفعالها وأثبت ذلك منها في أم الكتاب وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء, أحرى أن لا يضيع أعمالكم ولا يفرط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها أيها الناس حتى يحشركم فيجازيكم على جميعها, إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا, إذ كان قد خصكم من نعمه وبسط عليكم من فضله ما لم يعم به غيركم في الدنيا, وكنتم بشكره أحق وبمعرفة واجبه عليكم أولى لما أعطاكم من العقل الذي به بين الأشياء تميزون والفهم الذي لم يعطه البهائم والطير الذي به بين مصالحكم ومضاركم تفرقون .