يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
ما يفعله البعض في عاشوراء من ضرب أنفسهم وجرحها بالسيوف هو منكر تقشعرّ منه الجلود ويجعل المسلمين في نظر الأجانب كالوحوش أو المجانين على أنه لا فائدة فيه مطلقًا.
نعم ، كان يتصور أن يفيد لو كان لأولئك الذين قاتلوا آل البيت عليهم السلام عصبية موجودة وشوكة نافذة وهم على ظلمهم وهضمهم؛ لأن مثل هذه الأعمال تحيي في النفوس شعور العداوة والانتقام وتوطّنها على سفك دماء أولئك الأعداء ، ولكن أولئك الظالمين قد خضدت شوكتهم ، وذهبت سلطتهم؛ بل مُحي اسمهم من لوح الوجود حتى لا نكاد نرى من ينتسب إليهم.
فكان ينبغي الاكتفاء في عاشوراء بمثل ما كنا ارتأيناه في المولد النبوي والمولد الحسيني وهو أن يخطب الخطباء في سيرة صاحب المولد وما كان عليه من الخلق العظيم وما وفقه الله تعالى له من العمل النافع مع توجيه النفوس للتأسي والاقتداء به فإذا كنا لسنا في حاجة إلى الانتقام، وإذا كنا قد ذقنا فعرفنا جناية سلّ الحسام، وإذا كنا مهددين في كل أرض لأن ديننا الإسلام وإذا كنا – كما نعلم – على خطر لا ينجي منه إلا الاتحاد والالتئام.
أفلا ينبغي أن تتخذ هذه المواسم مذكرات بأفضل ما كان من سلفنا، وأنفع ما كان من أئمتنا، ونجتهد في أن نجعل شعورنا واحدًا حتى يصدق علينا قول نبينا ﷺ:(ترى المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه الشيخان عن النعمان بن بشير وفي رواية عنه لمسلم:(المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله).