أجاب ابن حجر في الفتح (5/256) عند ذكر البخاري للقصة في صحيحه في باب: شهادة القاذف والسارق والزاني من كتاب الشهادات، قال: وقد حكى الإسماعيلي في “المدخل” أن بعضهم استشكل إخراج البخاري هذه القصة واحتجاجه بها مع كونه احتج بحديث أبي بكرة – رضي الله عنه – في عدة مواضع، وأجاب الإسماعيلي بالفرق بين الشهادة والرواية، وأن الشهادة يطلب فيها مزيد تثبت لا يطلب في الرواية كالعدد والحرية وغير ذلك، واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطاً في قبول توبته؛ لأن أبا بكرة – رضي الله عنه – لم يكذب نفسه ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعملوا بها.
ومعنى كلام المهلب أن قبول شهادة القاذف متوقفة على إكذاب نفسه، فلما لم يكذب أبو بكرة نفسه لم تقبل شهادته، والرواية متعلقة بالعدالة، والعدالة متعلقة بالتوبة، ولا ارتباط بين التوبة وإكذاب النفس، وقد قال -تعالى- بعد ذكر حكم القاذف:”إلا الذين تابوا من بعد ذلك” [النور:5]، فإن قيل: كيف يكون عدلاً ولا تقبل شهادته؟ فالجواب: أن بين الرواية والشهادة فرقاً، فالشهادة يطلب فيها العدد ولا تقبل شهادة الواحد وإن كان عدلاً، ولذا احتجنا إلى تتميم النصاب باليمين المكملة، ولا تقبل شهادة ذي الظنة والجنة ولا شهادة الفرع لأصله والعكس مع قبول روايتهم.
ومما يجدر التنبيه عليه أن الله -تعالى- يقدّر على بعض الصحابة – رضي الله عنهم – شيئاً من الذنوب، وله في ذلك حكم منها: بيان التشريع وتنزل الأحكام، ومعرفة كيفية تطبيقها، فلو لم تقع الفتنة بين الصحابة -رضي الله عنهم- ما عرفنا أحكام البغاة، فهي إنما عرفت من تصرفاتهم -رضي الله عنهم- في الفتنة، وكذا تطبيق أحكام القذف والقاذف التي بينها عمر -رضي الله عنه- في هذه القصة، وأما من وقعت منهم تلك الأشياء فلهم من سابقة الصحبة والجهاد مع النبي -ﷺ- ونصرته، والحسنات المكفرة والإيمان والتوبة ما يمحو الله به السيئات.