محمد ﷺ خاتم النبيين:
وآخر الأنبياء والرسل هو محمد ﷺ فلا نبي بعده و القرآن الكريم ينص على هذا قال تعالى : ( ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) و دين الأنبياء واحد و هو الإسلام يقول تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) أما شريعتهم فمختلفة.
لماذا كان الإسلام خاتم الأديان:
أما الشرائع الجزئية فإن التفاوت فيها ليست له قيمةٌ كبيرة.
والإسلام الذي بلَّغه سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وأخذ الناسَ به هو الصورة الأخيرة للوحي الأعلى، وهو كذلك الصورة العامة التي تستغرق الأجناس كلها، وتتناول الأجيال التي تسكن الأرض حتى قيام الساعة.والنبوات السابقة كانت كلها محلية مؤقَّتة؛ أي محدودة الزمان والمكان.
أما النبوة العامة الخالدة فهي نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وحده، لا يَشْرَكُه في ذلك نبي من السابقين.
وعلة ذلك أن الإسلام بعدما زوَّد الإنسان بالوصايا الأخيرة للوحي الإلهي، وَكِلَ إلى عقله أن يتحرك ويشُقَّ طريقه، ويستغلَّ قدرته على الفهم والحكم وتعرُّف الصواب والمصلحة.
فانتهاء عصر الوحي هو ابتداء عصر العقل، وقد شرحنا ذلك بتفصيل في كتابنا “فقه السيرة”.
إن نبي القرآن ـ عليه الصلاة والسلام ـ أرسى دعائم العقيدة والعبادة والخلُق، وساق نصوصًا حاسمة تَضبِط سيرة المرء وتقاليد الجماعة، وهذه أسس وتوجيهات لا تختلف باختلاف العصور، ولا يمكن اختراق أسوارها.
أما ما وراء ذلك من شئون ـ وما أكثره ـ فموكول إلى العقل الإنساني يمحو فيه ويُثبت.
في ميدان العلوم والأنشطة الأرضية وشئون الحياة المَدَنِيَّة والأطوار الحضارية يُقَدِّر العقل على الحركة دون قَيْد يضعه الدين. وفي كل المجالات التي تتحدد فيها المبادئ ، وتتحرر الوسائل يستطيع العقل أن يتصرف دون عائق.
فالشورى مثلاً مبدأ ديني لمنع الاستبداد السياسي، ومنع عبادة الفرد، وتمكين الأمة من فرض رقابتها على ما يعنيها.
والعقل له أن يضع من الدساتير ما يحقق هذه الغاية.
والعدل مبدأ ديني لمنع الافتئات والتظالم.
وللعقل أن يشرِّع من القوانين وينشئ من المحاكم ما يحقق هذه الغاية إداريًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا.
والجهاد مبدأ ديني لحماية الإيمان وكبح الفتنة، ووسائل الجهاد في البر والبحر والجو لا حصر لها، والإبداع العقلي في هذه الميادين لا حدود له. بل إن شرائع العقوبات المروية تركت أغلب الجرائم للاجتهاد العقلي؛ مثل : الغش والغصب والتزوير والربا والخيانة والاختلاس وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف… الخ.
وقد تنشأ أحوال يتعيَّن على العقل أن يعالجها ويرقُب آثارها؛ لأنها لم تُعهد من قبلُ في عهود الأنبياء. لا أقول: مثل غزو الفضاء وحرب الأقمار الصناعية. بل في النشاط الإنساني العادي على ظهر الأرض. فقد جدَّت قضايا خطيرة جعلت الحكومات تَفرض سلطانها على نحو لم يُعرف في تاريخ الحياة البشرية من قبل، وما يتم هذا العلاج إلا بالعقل اليقظ، مع استصحاب هذا العقل لوحي الإيمان وتقوى الله.
إن الله لا يُعجزه أن يرسل نبيًّا آخر، لكن هذا الإرسال سيكون عبثًا إذا كان عمل النبي المرتقَب قطرةً من البحر الذي سبقه، أو ترسُّمًا لخطاه، أو تكرارًا لما قاله. ومن ثَمّ اكتفَت الأقدار بكتاب سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وحكمته في قيادة الإنسانية إلى آخر الدهر.
ولو أن ورَثة الإسلام أدُّوا واجبهم بأمانة ما كان هناك داعٍ لهذا السؤال:
لماذا كان الإسلام خاتم الأديان؟
فإن هذا التساؤل تولَّد من الفراغ والقصور الملحوظَين على الحياة الإسلامية العامة، وبخاصة في العصور الأخيرة.
من المقطوع به أن الأمة الإسلامية فقدت القدرة على قيادة نفسها بسبب فسادها فكيف تقود العالم؟ أو كيف تقدم نموذجًا لصلاحية الإسلام الأبدية لقيادة العالم؟
إن أصحاب العقول يرفضون أن يُشَدَّ العالم إلى وراءَ، وأن تُوضَع قيود على حِراكه الفكري والحضاري. ولو كان الإسلام مسلكًا رجعيًّا، أو توقفًا حضاريًّا لرفضناه دينًا يَرقَى بأتباعه، بل دينٌ يَرقَى بالعالَمين.
لكنّ فقهاء الإسلام الحقيقيين قالوا: حيث تكون العدالة والرحمة فثَمّ شرع الله! حيث تكون الفضيلة والحرية والمصلحة فثَمّ شرع الله!
وماذا ينشُد الناس إلى آخر الدهر غيرَ هاتِيك الغايات؟
إن اختلاف الليل والنهار لن يَقلِب حقائق الأشياء. فإذا كانت الوحدانية صفة الله فإن هذه الصفة لن تتغير ولن تزول مهما اطَّرَدت مواكب الزمان.
وإذا كانت تبَعية الإنسان لربه حقًّا لا مَعدِلَ عنه، فإن تقدم الحضارة لن يَعنيَ أبدًا أن الإنسان استغنَى عن الله والصلاة له والضراعة إليه.
وقُلْ مِثْل ذلك في ميدان الأخلاق والعلاقات الإنسانية كلها.
هل الدين عنوان ومراسم وأوهام مقدسة:
لماذا لا تكون هذه الحقائق ختام الدين كله؟
رب العالمين يقول للناس في القارات المعمورة من أرضه: اتَّجِهوا إليَّ مخلِصين، وأحسِنوا كل عمل تُكَلَّفون به تَظفَروا بالأمن وتَنجُوا من الحزن وتكسِبوا الدنيا والآخرة.
مالذي سيقوله نبي آخر بعد محمد عليه الصلاة والسلام:
الأول: أن تفكير المسلمين لانَ أمام بِدَع وخرافات أُدخِلَت على دين الله وهو منها بريء، وبرزت هذه الأهواء الدخيلة في أعمال المسلمين أكثر مما برزت معالم الدين الحق، ومن مصلحة الإسلام لكي يَبقَى أن يُنقَّى من هذا الغش.
الثاني: أن الترتيب المفروض بين شُعَب الإيمان سَرَت فيه الفوضَى، فتحولت أركانٌ إلى نوافلَ، ونوافلُ إلى أركان. وامتدت خيمة الغيبيات لتشمل أمورًا عقلية لها منطقها الحر، وتَبِعَت أحكامُ الحلال والحرام تقاليدَ بعض الأجناس التي اعتنقت الإسلام.
والمعروف أن الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلِّق بأفعال المكلَّفين، فلا حكمَ حيث لا خطابَ.
إن الإسلام كان ولا يزال الدينَ الذي ارتضاه الله لعباده إلى اللقاء الأخير. ومصلحةُ الإنسانية في استمساكها بهذه العروة الوثقى.