ورد عن النبي أحاديث كثيرة في اعتصام الأمة بالكتاب والسنة، ففي صحيح مسلم: ” وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلوُا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنَّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟”. قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَىَ السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَىَ النَّاسِ: “اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ” ثَلاَثَ مَرَّاتٍ… “

وفي كنز العمال عن ابن عباس :”يا أيها الناس إني تارك (و قد تركت) فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه”.

كما وردت أحاديث ترشد الأمة بالاعتصام بعترة النبي ، وفيها أحاديث صحيحة ففي صحيح الجامع للشيخ الألباني : “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفونى فيهما”

قال محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود:

 قال الخطابي : العترة ولد الرجل لصلبه وقد يكون العترة أيضا الأقرباء وبنو العمومة ، ومن قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة نحن عترة رسول الله انتهى .

وقال في النهاية : عترة الرجل أخص أقاربه ، وعترة النبي بنو عبد المطلب وقيل قريش والمشهور المعروف أنهم الذين حرمت عليهم الزكاة انتهى

التمسك بالعترة وآل البيت:

وضَّح المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي، كيفية التمسك بالعترة وآل البيت والتمسك بالسنة، وأنه لا تعارض بين الحديثين حيث قال:

قال التوربشتي عترة الرجل أهل بيته ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله بقوله “أهل بيتي” ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه انتهى.

قال القاري:

 والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم، وهو لا ينافي أخذ السنة من غيرهم لقوله : “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم” ولقوله تعالى { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }

وقال ابن الملك: التمسك بالكتاب العمل بما فيه وهو الائتمار بأوامر الله، والانتهاء عن نواهيه.

ومعنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم، زاد السيد جمال الدين إذا لم يكن مخالفاً للدين أهـ

وعلى هذا فالعترة هم أهل بيت النبي الأدنى وعصابته وأزواجه، وهذا لأنه توفر لهم من النقل ما لا يتوفر لغيرهم من الصحابة، فهم من نقلة السنة الشريفة، وهذا لا يعني عدم نقل السنة من عند غيرهم، فحب آل البيت مطلوب، وقد أوصى الرسول أمته بحسن معاملة آل البيت ولا سيما إن كانوا متمسكين بالسنة المطهرة.

قال الطيبي في قوله: “إني تارك فيكم إشارة” إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول الله ، وأنه يوصي الأمة بحسن المخالقة معهما وإيثار حقهما على أنفسهم كما يوصي الأب المشفق الناس في حق أولاده، ويعضده ما في حديث زيد بن أرقم عند مسلم: “أذكركم الله في أهل بيتي” كما يقول الأب المشفق الله الله في حق أولادي .. لعل السر في هذه التوصية واقتران العترة بالقرآن أن إيجاب محبتهم لائح من معنى قوله تعالى { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } فإنه تعالى جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن منوطاً بمحبتهم على سبيل الحصر فكأنه يوصي الأمة بقيام الشكر. أهـ

وعلى هذا فإن كان آل البيت متمسكين بالسنة النبوية المطهرة لا يخالفون أوامره فحبهم في هذا الحال من حب النبي .

أما إذا غيروا السنة وبدلوا الشريعة ففي هذه الحال لا حب لمن بدل السنة أو غير منار الشريعة.

اتباع السنة:

نوه الرسول في مواطن كثيرة بوجوب اتباع السنة.

فقال : لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، يقول: لا ندري؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه” [رواه الأمام أحمد، والترمذي وابن ماجه]

والسنة الصحيحة إذا ثبتت فهي بمنزلة القرآن في تصديق الخبر الذي تحمله، أو في الحكم الذي تتضمنه.

وقد قال تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) [النساء: 113] يعني السنة.

علامة العترة وآل البيت الذين ينبغي أن يحبهم:

وعلامة العترة وآل البيت الذين ينبغي على المسلم أن يحبهم ويودهم ويطبق فيهم نصيحة النبي أن يكونوا من أهل السنة المتمسكين بها العاملين على نشرها. وبهذا أمرهم النبي وشدد عليهم وروى البخاري في صحيحه  أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } قَالَ:  يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا.