روى البخاري ومسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ قال: « مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَىْءٌ ، يُوصِى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ».
الوصية في الشرع تَصرُّف مُضاف لِمَا بعد الموت، وهي تكون بالعين وبالدَّين وبالمنفعة، وتكون بطريق التَّبرُّع دون مُقابل.
ويُفرَّق بينها وبين الهِبَة بأن الهبة تمليك في حال الحياة، وهي لا تكون إلا بالعين، لا بالدَّين ولا بالمنفعة.
والوصية مشروعة بالكتاب كما قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ( سورة البقرة: 18 )، وكما قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ( سورة المائدة:106 )
ومشروعة بالسنة للحديث الذي سبق ذكره، ولما رواه ابن ماجة مرفوعًا “مَن مات على وصيَّة مات على سبيل وسنة، ومات على تُقًي وشهادة ومات مغفورًا له.
وقد أجْمعت الأمَّة على مشروعيَّتها، ولكنْ ما هو مدى مشروعيتها؟ هناك ثلاثة آراء:
الرأي الأول:
أنَّها واجبة على كل مَن ترك مالًا، قليلًا كان أو كثيرًا، وهو مَرْويٌّ عن ابن عمر وطلحة والزبير وبعض التابعين، بدليل آية البقرة المذكورة آنفًا.
والرأي الثاني:
أنها تجب للوالدَين والأقربِين الذين لا يَرِثون الميِّت، بدليل الآية نفسها، وهو رأي مسروق وابن جرير.
والرأي الثالث:
وهو رأي الأئمة الأربعة ـ أنها ليست فرضًا على الوجه المذكور في الرأيَيْن الأوَّلَيْن بل تَعْتَرِيها الأحكام الخمسة.
1ـ فقد تكون واجبة إذا كان على الإنسان حق شرعي يَخشى أن يَضيع إنْ لم يُوصِ به كوديعة ودين لله أو لآدمي.
2ـ وقد تكون مُستحبَّة، وذلك في الطاعات وللأقارب والصالحين.
3ـ وقد تكون محرَّمة، إذا كان فيها إضْرار بالوَرَثة، لحديث رواه النَّسائي مرفوعًا برجال ثقات ” الإضرار في الوصيَّة من الكبائر” كما تُحرَّم إذا أَوْصَى بمُحرَّم كالخمر.
4ـ وتكون مَكْروهة إذا كان المُوصِي قليل المال وله وارث أو ورثة يَحتاجون إليه، كما تُكره لأهْل الفِسْق إن غلب على الظن أنهم يَستعينون بها عليه.
5ـ وتكون مباحة إذا كانت لغَنِيٍّ سواء أكان المُوصَي له قريبًا أم بعيدًا.
والوصية ـ كما قال العلماء ـ من العقود التي يجوز تغْييرها والرجوع فيها من الموصى سواء أكان الرجوع بالقول أم بالفعل كالتصرف فيها بما يُزيل ملكه عنها بمثل البيع.
هذا، وجمهور العُلماء على عدم جواز الوصيَّة بما يَزيد على الثُّلُث إن لم يكن له وارث، وأجازها أبو حنيفة. “نيل الأوطار” للشًّوكاني ج6ص42″.