قتل مريض الإيدز أو المريض الميئوس من شفائه حرام شرعًا حتى لو كان بإذنه، فهو انتحار بطريق مباشر أو غير مباشر، أو عدوان على الغير إن كان بدون إذنه، والروح ملك لله لا يُضحى بها إلا فيما شرعه الله فالقتل الجائز هو ما كان بالحق، كالدفاع عن النفس والمال والعرض والدين والجهاد في سبيل الله.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر –رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا- رحمه الله تعالى:
من المقرر شرعًا وعقلاً أن قتل النفس جريمة من أكبر الجرائم ما دام لا يوجد مبرر لذلك، والنصوص في ذلك أشهر من أن تذكر، يكفي منها قوله تعالى عن الشرائع السابقة (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، وقوله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)، وقوله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
والقتل الجائز هو ما كان بالحق، كالدفاع عن النفس والمال والعرض والدين والجهاد في سبيل الله، وما نص عليه الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ متقاربة: “لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.
والمريض أيًّا كان مرضه، وكيف كانت حالة مرضه لا يجوز قتله لليأس من شفائه أو لمنع انتقال مرضه إلى غيره؛ ففي حالة اليأس من الشفاء مع أن الآجال بيد الله -وهو سبحانه قادر على شفائه- يحرم على المريض أن يقتل نفسه، ويحرم على غيره أن يقتله حتى لو أذن له في قتله، فالأول انتحار والثاني عدوان على الغير بالقتل، وإذنه لا يحل الحرام، فهو لا يملك روحه حتى يأذن لغيره أن يقضي عليها، والحديث معروف في تحريم الانتحار عامة، فالمنتحر يعذب في النار بالصورة التي انتحر بها خالدًا فيها أبدًا، إن استحل ذلك فقد كفر وجزاؤه الخلود في العذاب، وإن لم يستحله عذب عذابًا شديدًا، جاء التعبير عنه بهذه الصورة للتنفير منه.
روى البخاري ومسلم أن النبي -ﷺ- قال: “كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينًا فحزّ بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة”، وفي رواية لهم أن رجلاً مسلمًا قاتل في خيبر قتالاً شديدًا ومات، فلما أخبر به الرسول قال: “إنه من أهل النار” فعجب الصحابة لذلك، ثم عرفوا أنه كانت به جراح شديدة فلم يصبر عليها، فوضع نصل سيفه بالأرض وجعل ذبابه -أي طرفه- بين ثدييه ثم تحامل على نفسه حتى مات، وتقول الرواية: إن الرسول أمر بلالاً أن ينادي في الناس: أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وقد ألفت في إنجلترا جمعية باسم “القتل بدافع الرحمة” طالبت السلطات سنة 1936م بإباحة الإجهاز على المريض الميئوس من شفائه، وتكرر الطلب فرفض، كما تكونت جمعية لهذا الغرض في أمريكا، وباء مشروعها بالفشل سنة 1938، وما زلت هذه الدعوة تكسب أنصارًا في هذه البلاد.
فالخلاصة أنّ قتل المريض الميئوس من شفائه حرام شرعًا حتى لو كان بإذنه، فهو انتحار بطريق مباشر أو غير مباشر، أو عدوان على الغير إن كان بدون إذنه، والروح ملك لله لا يضحى بها إلا فيما شرعه الله من الجهاد ونحوه.
أما المريض الذي يُخشى انتقال مرضه إلى غيره بالعدوى حتى لو كان ميئوسًا من شفائه فلا يجوز قتله من أجل منع ضرره؛ ذلك لأن هناك وسائل أخرى لمنع الضرر أخف من القتل، ومنها العزل ومنع الاختلاط به على وجه ينقل المرض، فوسائل انتقال المرض متنوعة وتختلف من مرض إلى مرض، وليس كل اختلاط بالمريض بفقد المناعة “الإيدز” محققًا للعدوى، فهي لا تكون إلا باختلاط معين كما ذكره المتخصصون، فالإجراء الذي يتخذ معه هو منع هذه الاتصالات الخاصة، مع المحافظة على حياته كآدمي يقدم إليه الغذاء حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
وعدم الاختلاط بالمريض مرضًا معديًا -أي العزل أو الحجر الصحي- مبدأ إسلامي جاء فيه قول النبي -ﷺ-: “فر من المجذوم فرارك من الأسد” رواه البخاري، وقوله: “إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها” والله سبحانه يقول (خُذُواْ حِذْرَكُمْ)، وفي الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة بإسناد حسن: “لا ضرر ولا ضرار”.
فالمريض بالإيدز على فرض اليأس من شفائه لا يجوز قتله منعًا لضرره عن الغير، فمنع الضرر له وسائل أخرى غير القتل، ولا يقال: إنه يستحق القتل، لأنه ارتكب منكرًا نقل إليه هذا المريض، فليس كل منكر حتى لو كان اتصالاً محرمًا يوجب القتل، فهناك شروط موضوعة لإقامة حد الرجم “القتل” على مرتكب الفاحشة، كما أن هناك وسائل لانتقال المرض إليه ليست محرمة، وربما لا يكون له فيها اختيار، كنقل دم مريض به دون علم، أو غير ذلك.
وعلى العموم لا يصح قتل المريض بالإيدز أو بغيره، لا لليأس من شفائه، ولا لمنع انتقال المرض منه إلى غيره، فالله على كل شيء قدير، ووسائل الوقاية متعددة، وقد يكون بريئًا من ارتكاب ما سبب له المرض، فهو يستحق العطف والرحمة، ومداومة العلاج بالقدر المستطاع، جاء في الحديث الذي رواه الترمذي: “يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء”، وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم “ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء”، وفي الحديث الذي رواه أحمد “إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله” وجاء في بعض روايات أحمد استثناء “الهرم” فإنه ليس له شفاء.
وهذه الأحاديث تعطينا أملاً في اكتشاف دواء لهذا المرض، كما اكتشفت أدوية لأمراض ظن الناس أن شفاءها ميئوس منه، فلا يصح قتل حامله لليأس من شفائه، ولا لمنع الضرر عن الأصحاء؛ حيث لم يتعين القتل وسيلة له، فالوسائل المباحة موجودة، وعليه فليست هناك ضرورة أو حاجة ملحة حتى يباح لها المحظور.
ولا محل أيضًا لقياس قتله على إلقاء أحد ركاب السفينة في البحر لإنقاذ حياة الباقين، تقديمًا لحق الجماعة على حق الفرد، أو على قتل المسلم الذي تترس به العدو للتوصل إلى قتله. ففي ذلك وأمثاله تحتم الإغراق والقتل وسيلة، فأبيح للضرورة والأمر في منع العدوى ليس كذلك.