من يرى الشمس وهو في مكان مرتفع كالطائرة أو المنارة أو العمارات الشاهقة أو غير ذلك لا يجوز له الإفطار حتى تغرب الشمس وكذلك عند الإمساك ، ومواقيت الصلاة فكما أن هناك فروق للتوقيت بين بعض البلدان المتباعدة أفقيا يجب أن تكون فروق بين الأماكن المتباعدة رأسيا .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
الصيام في الإسلام هو الإمساك عن المفّطرات من الأكل والشرب ومباشرة النساء وما يتعلق بذلك من تبين الفجر إلى غروب الشمس، كما قال تعالى: ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) البقرة: 187.
وفسر النبي ﷺ معنى {إلى الليل} بقوله: “إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم .
ومن المعلوم: أن الشمس لا تغرب في وقت واحد في كل العالم، كما لا تطلع في وقت واحد في كل العالم، كما أصبح معلوما من كروية الأرض ودورانها حول الشمس. ولهذا تغرب في كل قطر في وقت معين، حسب ما يعرف بـ(خطوط الطول). بل تختلف البلدان والمدن في القطر الواحد، فنجد بين القاهرة والإسكندرية في مصر نحو ستة دقائق، وفي المملكة العربية السعودية بين الرياض وجدة نحو ثلث ساعة، وهكذا.
ولذلك نجد أجهزة الإعلان، كما في الإذاعة والتلفاز، تنبه بعد إذاعة الأذان، تنبيها مهما، تقول فيه: استمعتم إلى الأذان بتوقيت القاهرة أو الدوحة أو الرياض، وعلى المقيمين خارجها أن يراعوا فروق التوقيت.
وهذا الاختلاف في التوقيت بالنسبة للغروب – ومثله للفجر- واضح وبيّن بالنسبة للامتداد الأفقي.
ولكن الذي لا يتضح للكثيرين ما يتعلق بالامتداد الرأسي أو العمودي، أي ما يتعلق بارتفاع المكان وانخفاضه.
فقد لاحظت وأنا أسكن الطابق الرابع عشر على الشاطئ (الكورنيش) بمدينة الإسكندرية، أن أذان المغرب ينطلق من المساجد بجوارنا، ونحن لا نزال نرى نصف قرص الشمس تقريبا لم يغب بعد، فكيف بمن كان يسكن الدور الثلاثين أو الأربعين، وما هو أعلى من ذلك؟!
ولهذا قلت لمن حولي: ينبغي على أجهزة الإعلان أن تضيف إلى تنبيهها المهم في مراعاة فروق التوقيت لمن كان خارج المدينة تنبيها آخر: أن على الذين يسكنون في الأدوار العليا أيضا: أن يراعوا فروق التوقيت بينهم وبين الذين يسكنون الأدوار الدنيا.
ومثل هؤلاء: الذين يسكنون فوق الجبال، ونحوهم.
وقد وجدت الفقهاء نصوا على هذه المسألة بصراحة، فقد نقل العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته الشهيرة عن صاحب (الفيض) قال: ومن كان على مكان مرتفع، كمنارة الإسكندرية لا يفطر ما لم تغرب الشمس عنده، ولأهل البلدة الفطر إن غربت عندهم قبله، وكذا العبرة في الطلوع في حق صلاة الفجر والسحور” .
ولا شك أن الذين يركبون الطائرات، ويحلقون في أعالي الجو لأميال عدة بعيدا عن الأرض: ينطبق عليهم هذا الحكم، شأنهم شأن من يسكنون أعالي الجبال، أو العمارات الشاهقة، فلهم فجرهم الخاص بهم، وشروقهم، وغروبهم، فإذا ظهر الفجر في الأفق وبدت علاماته لهم: وجب أن يمسكوا في الصيام، وبدأ وقت صلاة الفجر بالنسبة لهم، ولا يجوز لهم الصلاة قبل ذلك، ولا الأكل والشرب بعد ذلك.
ومثل ذلك في الغروب، فلا يجوز لركاب الطائرة أن يصلوا المغرب على توقيت البلد الذي يحلقون فوقه، ولا أن يفطروا على هذا التوقيت، فيأكلون ويشربون وهم يرون الشمس بأعينهم!!.
ومن الخطأ الشائع لدى بعض قادة الطائرات في بعض البلاد العربية: أن يعلن القائد (الكابتن) عن دخول المغرب، ويبيح للركاب الإفطار في الصوم، ومشروعية صلاة المغرب، بناء على فتوى سمعها من بعض المشايخ، وهذا خطأ يجب تصحيحه، والتنبيه عليه، فمغرب من في الطائرة غير مغرب من على الأرض، بيقين. وقد بينا أصل هذه المسألة، وهو: أن التوقيت كما يختلف بالامتداد الأفقي، يختلف بالامتداد الرأسي والعمودي.