العشر الأوائل من ذي الحجة يُطلق عليها العشر من باب التغليب، ففي قول النووي في شرح صحيح مسلم في باب صوم عشر ذي الحجة، أن المراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة، لكن فيما يتعلق بالصيام وترك تقليم الأظافر وقص الشعر لمن أراد أن يضحي فيراد التسع فقط، لأن صيام يوم العيد محرم. كما أنها أفضل من أيام العشر الأخيرة من رمضان، فيُستحب فيها الأجتهاد في العبادة.

صحة حديث من صام العشر فله بكل يوم صوم شهر

لم يصح عن النبي  (من صام العشر فله بكل يوم صوم شهر ، وله بصوم يوم التروية سنة ، وله بصوم يوم عرفة سنتان )  هذا الحديث موضوع أي مكذوب على رسول الله  وقد حكم عليه بالوضع كل من ابن الجوزي في الموضوعات 2/198 والسيوطي في اللآلئ المصنوعة 2/107، 108 وابن عراق في تنزيه الشريعة 2/156 والشوكاني في الفوائد المجموعة حيث قال : [ رواه ابن عدي عن عائشة مرفوعاً ولا يصح وفي إسناده الكلبي وأخرجه أبو الشيخ في الثواب ورواه ابن النجار في تاريخه من حديث جابر ] وذكر الشيخ عبد الرحمن اليماني محقق الفوائد المجموعة أن في إسناد رواية ابن النجار كذاباً وضاعاً ، انظر الفوائد المجموعة ص 96 وما صح من الأحاديث في فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة يغني عن هذا الحديث المكذوب . وليس معنى هذا أن الصيام في العشر الأول من ذي الحجة لا فضل له، فقد ثبت أن العمل الصالح في هذه الأعمال أفضل ثوابا من الجهاد، والصيام من جملة الأعمال الصالحة. وإذا ثبت أن ثواب العمل الصالح أكثر ثوابا من الجهاد فإن معنى هذا أن صيام اليوم الواحد من هذه الأيام قد يكون أفضل من صيام سنة فيما سواه.

فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

يقول الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:- فضل العشر الأوائل من ذي الحجة ثابت بكتاب الله سبحانه وتعالى وبسنة رسوله  فقد قال الله تعالى :( والفجر وليال عشر ) سورة الفجر الآيتان 1 – 2 . وأكثر أهل التفسير على أن المراد بهذه العشر هو عشر ذي الحجة انظر تـفـسير القرطبي 20/39 . وورد في السنة النبوية عدة أحاديث في فضيلة هذه العشر منها: – -ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي  قال : ( ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ). -وفي رواية للطبراني في الكبـير بإسناد جيد كما قال المنذري :( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ). -وفي رواية للبيهقي في شعب الإيمان قال  : ( ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى ) قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال :( ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ). فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه ذكره المنذري في الترغيب 2/150 . وروى الحديث الدارمي أيضاً وإسناده حسن كما قال الألباني في إرواء الغليل 3/398 .

هل صام النبي العشر من ذي الحجة

لا شك أن الصيام داخل في الأعمال هذه الصالحة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي  قالت: “كان رسول الله  يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر” رواه أحمد و أبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/462 . وفي رواية أخرى عن هنيدة بن خالد الخزاعي عن حفصة رضي الله عنها قالت : ( أربع لم يكن يدعهن النبي  صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة ) رواه النسائي وأحمد. وثبت في الصحيحين أنه  قال: ( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ) وهذا الحديث بعمومه يدل على فضيلة صوم التسع الأوائل من ذي الحجة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ورد عن الرسول  صيام عشر ذي الحجة كاملة؟ فأجاب: ” ورد عن النبي  ما هو أبلغ من أن يصومها، فقد حث على صيامها بقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)، ومن المعلوم أن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة.