عدد الملائكة لم يكن محدودا في غزوة بدر، فقد كانوا آلافا، بدأ نزولهم بألف ثم أتبعه ألوف غيره، وكان دورهم تثبيت المؤمنين الذين أقبلوا على أول معركة مع أعدائهم الكافرين من غير استعداد مسبق للقتال، فأنزل الله الملائكة ليستبشروا بالنصر، ولتطمئن قلوبهم برؤية الملائكة أو علمهم أنهم معهم، ولم يكن دورهم أن يقتلوا المشركين، وإلا فقد كان يكفي ملك واحد لقتلهم جميعا في وقت قصير جدا، وقد كان فيهم جبريل عليه السلام وهو الذي حمل قرية لوط على جزء من جناحه وقلبها فدمرها..
ولكن هذا لا يمنع حدوث القتل من الملائكة لبعض الكفار زيادة في تثبيت المؤمنين وتأكيدا لهم.
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر:
وقعت غزوة بدر في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة كان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر ليس فيهم إلا فارس واحد مع قلة في أدوات الحرب والقتال، وكان عدد المشركين أكثر من ألف مقاتل، معهم العدة للحرب بدرجة كافية، وفيهم مائة فارس على خيولهم، وكان ذلك بمقياس الحروب كفيلاً بنصر العدد الكثير والعدة الوافرة على من هم أقل عددًا وعدة، ولما رأى رسول الله ﷺ هذا التفاوت الواضح بين قوة المسلمين وقوة أعدائهم رفع يديه إلى السماء مستغيثًا ربه، طالبًا نصره الذي وعده إياه، وما يزال يدعو ويستغيث حتى وقع رداؤه من فوق كتفيه فاحتضنه أبو بكر الصديق، وقال له: إن الله منجز وعده لك يا نبي الله، ونزل قول الله تعالى من سورة الأنفال: ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألفٍ من الملائكةِِ مردفين) فأمد الله المسلمين بألف من الملائكة في غزوة بدر.
أما في قوله تعالى في سورة آل عمران : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) فقد قال بعض العلماء ومنهم الربيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف والتنصيص على الألف لا ينافي الزيادة لقوله تعالى:
( مردفين ) بمعنى: يردفهم غيرهم، أي تتبعهم ألوف أخر غيرهم.
وقال بعضهم: إن هذا الوعد كان يوم أحد، وكان مشروطًا بأن يصبروا ويتقوا ولما لم يصبروا وفروا لم يتحقق لهم الوعد، ولم يمددهم الله بشيء.
وأما قتال الملائكة في بدر فقد ذكرت الأحاديث الصحيحة بعض الوقائع التي شارك فيها الملك، ولا مانع من ذلك مع ما كلفهم الله به من تثبيت قلوب المؤمنين في قوله: ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا.. ) وليس معنى اشتراكهم في وقائع مفردة أنهم تولوا القتال عن المؤمنين، فإن قتلى قريش وأسراهم كان يُعرف من تولى قتلهم وأسرهم من المسلمين، وبذلك كانت كرامة أهل بدر ومنزلتهم العالية بين صحابة رسول الله ﷺ.
وقال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، قال:
قوله : ( فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) هذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم ليشكروه عليها وهو أنه تعالى وتقدس وتبارك وتمجد أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه وحزبه المؤمنين يوحي إليهم فيما بينه وبينهم أن يثبتوا الذين آمنوا قال ابن إسحاق: وآزروهم وقال غيره: قاتلوا معهم وقيل كثروا سوادهم وقيل كان ذلك بأن الملك كان يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقول سمعت هؤلاء القوم يعني المشركين يقولون والله لئن حملوا علينا لننكشفنّ فيحدث المسلمون بعضهم بعضا بذلك فتقوى أنفسهم حكاه ابن جرير وهذا لفظه بحروفه.
وقوله ” سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ” أي ثبتوا أنتم المؤمنين وقووا أنفسهم على أعدائهم عن أمري لكم بذلك سألقي الرعب والذلة والصغار على من خالف أمري وكذب رسولي..
وقوله ” واضربوا منهم كل بنان ” قال ابن جرير معناه واضربوا من عدوكم أيها المؤمنون كل طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم والبنان جمع بنانة ـ وهي أطراف الأصابع.
وقوله تعالى ” وما جعله الله إلا بشرى ” الآية ،أي: وما جعل الله بعث الملائكة وإعلامه إياكم بهم إلا بشرى ” ولتطمئن به قلوبكم ” وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على أعدائكم ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله أي بدون ذلك ولهذا قال ( وما النصر إلا من عند الله ) كما قال تعالى ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب).