الزنا جريمة منكرة خاصة من المتزوج، هذه الجريمة تستوجب غضب الله، وعقوبته في الدنيا والآخرة، وعقوبة الدنيا هي الرجم للزاني المتزوج حتى الموت. وأما غير المتزوج فالرجم مائة جلدة.
لكن المطلوب من المسلم إذا ارتكب حدا من حدود الله عز وجل أن يتوب بينه وبين الله عز وجل، ولا يبلغ ولي الأمر حتى لو كان ولي الأمر يقيم الحدود.
والتوبة ليست مجرد استغفار باللسان، ولكنها عمل مكون من شروط، وهذه الشروط هي العزم والندم الصادقان من المؤمن المذنب على ترك المعصية، وعدم العود إليها، ذلا لله وخوفا من عقابه، فمن وجد منه ذلك كانت توبته حينئذ صحيحة، ونرجو أن تكون منجية له من العذاب إن شاء الله، فالتوبة النصوح إذا صدرت من المذنب فى وقتها مستوفية شروطها تلحق التائب بمن لم يرتكب المعصية أصلا.
والتوبة بهذا المفهوم هي التي ترفع غضب الله عز وجل.
والندم مطلوب متى حرك للتوبة والإنابة، ولكنه مرفوض متى دفع لليأس وضعف العزيمة وأشعر بالإحباط، فإن الشيطان يريد أن يستولي عليك ويشعرك بأنك أصبحت من أتباعه حتى لا تتوب أبدا، فاحذر ذلك، وكن على بينة منه.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي:
يجب على من ارتكب جريمة الزنا أن يتوب إلى الله عنها، ويندم ويستغفر الله عز وجل، ويعزم عزما صادقًا على ألا يعود لمثل هذا الذنب أبدًا، كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
ولهذا حقق المحققون أن التوبة من الزنا تكون بين المرء وخالقه تعالى. فإذا تاب وأناب وندم واستغفر، فالمرجو أن يعفر الله له ويعفو عنه. انتهى.
ويقول الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى -:
ننصح من يتورطون في جريمة عقوبتها الحد أو غيره، وبخاصة ما ليس فيها حق للعباد أن يستروا أنفسهم فلا يبيحوا بها، ولا يطلب أحد أن يُقام عليه الحد لتكفير خَطئه، فالتوبة النصوح أحسن وسيلة. وأوقع في عدم الوصمة للفرد والمجتمع بالانحراف. يقول النبي ـ ﷺ ـ “من أصاب شيئًا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد” رواه مالك في الموطأ. ويقول في مبايعته لأصحابه على عدم الشرك والزنا والسرقة والقتل “ومن أصاب شيئًا من ذلك فَسَتَرَه الله عليه فَأَمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذَّبه” رواه البخاري ومسلم.
ويقول فضيلته أيضا :-
رَوى البخاري ومسلم أن النبي ـ ﷺ ـ قال: ” كلُّ أمتي مُعَافىً إلا المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة أن يَعمل الرجل عملًا بالليل فيَسْتُره ربُّه، ثم يُصْبِح فيَكْشِف سِتْرَ الله عنه”،
وروى الحاكم وصححه أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “الحياء والإيمان قُرَناء جميعًا، فإذا رُفِع أحدهما رُفِع الآخر” ولما رجم النبي ـ ﷺ ـ ماعزًا الأسلَمي قال: “اجْتَنِبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمَن ألمَّ بشيء منها فليَسْتَتِر بِسِتْر اللهِ، فإن أبْدَى لَنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ” صحَّحه الحاكم وابن السَّكن، وقال الذهبي في المُهذب: إسناده جيد وقال إمام الحرمين: صحيح متفق عليه، قال ابن الصلاح: عجيب أوقعه فيه عدم إلمامه بصناعة الحديث “الزرقاني على المواهب ج4 ص 261″،
ورَوى أبو داود والنسائي أن هُزالًا لمَّا ذهب إلى النبي ـ ﷺ ـ يُخْبُره عن زنا ماعز، فحَضَر ماعز وأقرَّ ورُجِمْ، قال النبي لهُزال ” لو ستَرْتَه بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ”، وَرَوى مسلم وغيره أن رجلًا قال للنبي ـ ﷺ ـ إني عالجت امرأة من أقصى المدينة وأصبْت منها ما دون أن أمَسَّها، فأنا هذا، فأقِمْ عليَّ ما شئتَ، فقال عُمر: لَقَدْ سَتَرَ الله عليك لو سترْتَ على نفسك، فلم يردَّ النبي ـ ﷺ ـ شيئًا ” نيل الأوطار ج7 ص 106″.
يُؤْخَذ من هذا أن سِتْر الإنسان على نفسه وسترَ الغير عليه مطلوب، ولو استغفر العاصي ربَّه وتاب إليه عافاه الله، والمجاهرون بالمعصية قوم غاضَ ماءُ الحياء من نفوسهم، وتبَلَّد حِسُّهم، وماتت ضمائرهم، فقلَّما يُفكرون في العَودة إلى الصواب وبهذا يموتون على عصيانهم وفسوقهم. فالمطلوب ممن يرتكبون المعصية أيًّا كانت أن يستتروا بها ولا يُفْشوها، وأن ينْدَموا ويتوبوا، وألا يُفْشوها للناس فقد يُقام عليهم الحدُّ أو التعزير، ثمَّ ينْدمون ولاتَ ساعةَ مَنْدَم، وفي الإفْشاء إغراء للبُسَطَاء بالعِصْيان، ووضْع لأنفسهم موضع التُّهمة والاحتقار، ورحم الله امرأ ذبَّ الغيبة عن نفسه، والله يقول: ( إنَّ الذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة ) (سورة النور:19).