ذم الدهر والزمان ونسبة الحوادث السيئة إليهما إن كان يقصد به أن التعاسة أو الشقاء ينسب إلى أعم شيء يمكن أن يسند إليه وهو الزمن أو الدهر مع اعتقاد أن الفاعل هو الله فلا شيء في ذلك ، أما ذم الدهر باعتباره هو المتسبب في الشرّ فهو المنهي عنه .
يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا– رحمه الله-:
اختلف العلماء في تفسير الدهر والزمان والنسبة بينهما فقال الراغب : الدهر اسم لمدة العالم من مبدئه إلى منتهاه ، ثم صاروا يطلقونه على المدة الطويلة ، وأما الزمان فيطلق على المدة الطويلة والقصيرة إطلاقًا حقيقيًّا ، وزعم السعد أن الدهر طول الزمان .
وقد فشا بين الأدباء والشعراء ذم الدهر والزمان ونسبة الحوادث السيئة إليهما ، وترى شعراء العرب بعد الإسلام قلما يذمون الدهر وإنما يذمون الزمن ، ولا يقصد هؤلاء ولا أولئك بالزمن أو الدهر حركة الفلك أو الليل والنهار أو ما يقول المتكلمون في تعريف الزمن ( مقارنة متجدد معلوم لمتجدد موهوم ) ، وإنما يقصدون أن تعاستهم أو شقاءهم وكل ما يشكون منه لم يكن من تقصيرهم وإنما علته عدم مواتاة الشئون الكونية المتعلقة بغيرهم من الخلق ولما كانت هذه الشئون التي يتوقف عليها النجاح مع سعي الإنسان غير معينة صاروا ينسبوها إلى أعم شيء يمكن أن تسند إليه وهو الزمن أو الدهر.
وقد حكى الله تعالى عن بعض الملاحدة نسبة الإحياء والإماتة إلى الدهر فقال : [ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ]( الجاثية : 24 ) والظاهر أنهم يعنون أن هذا هو المعروف طول الدهر فلا يوجد شيء آخر يحيي ويميت ، وهذا النفي المطلق جهالة لا دليل عليها .
وأما الحديث فقد جاء في صحيح مسلم بلفظ (لا يسب أحدكم الدهر فإن الدهر هو الله تعالى) وورد بلفظ آخر عند أبي داود والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وهو: ( قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره ) ورواه غيرهم وله ألفاظ أخرى لا حاجة إلى استقصائها .
ولم يرد اسم الدهر في أسماء الله تعالى ؛ لأنه أطلق عليه سبحانه على سبيل التجوز والمعنى فيه أن الشيء الذي يسند إليه الناس الأفعال ولا يعرفون حقيقته وإنما يسمونه الدهر ؛ لأنه غير متعين في علمهم الناقص هو الله جل شأنه ؛ لأنه هو الفاعل المختار والذي يرجع إليه الأمر كله .