لابد للمسلم لكي يكون له دور في نصرة دينه الأمور التالية:
أولاً : تجريد التوحيد وتجديده :ـ
فإن الله – تعالى – هو رب الكون ومدبره ، ولا يقع شيء إلا بإذنه، له الخلق والأمر [ كل يوم هو في شأن ] .
فعلى المسلم أن يجدد إيمانه بربه ، وثقته به ، وتوكله عليه ، فإنه – سبحانه – أغير على دينه ، وعباده المؤمنين من كل أحد [ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ] .
وتحقيق الإيمان المطلق بالقضاء والقدر ، وأنه لا يقع في الكون شيء دقَّ أو جلَّ كبُر أم صغُرَ إلا بقضاء الله وقدره [ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله )[إنا كل شيء خلقناه بقدر] .[قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون].
ثانياً : التوبة والاستغفار والتسبيح :ـ
[ فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ] قال العباس وعلي – رضي الله عنهما – : ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة .
ثالثاً : العبادة والعمل الصالح:ـ
فقد روى مسلم في الفتن عن معقل بن يسار أن النبي – ﷺ – قال : (العبادة في الهرج كهجرة إليّّ) وفي هذا إشارة إلى ملمحين مهمين :
أولهما : الاشتغال بالشيء المثمر من المحافظة على الصلاة واللهج بالذكر ، والإلحاح بالدعاء والصوم ، والبذل ، والحرص على الدعوة إلى الله ونحوها ، بدلاً من استطرادات الأحاديث ، ومداولات الأسئلة التي قد لا تؤتي ثمرة ، بقدر ما تشغل البال وتقلق النفس .
ثانيهما : إرجاع النفس إلى طبيعتها وسجيتها بهذه الجرعات المهدئة من طاعة الله وذكره حتى تفكر بشكل صحيح ، وتعمل بشكل صحيح أيضاً .
رابعاً الصبر:ـ
فإنه لا إيمان إلا بالصبر ، وعلينا ألاّ نملَّ من التواصي بالصبر ، بل نصبر على ذلك ، لأنه علاج لكثير من المشكلات المزمنة ( والعجلة من الشيطان ، والأناة والحلم من الله) فالأناة والتروي تجعل المرء دارسًا لقراراته ، مقبلاً على أمره بإدراك ونظر صحيح، فلا يتصرف بطريقة عشوائية ، مرتجلة ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – ﷺ – قال : (ليس الشديد بالصرعة ، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) وفي رواية ( إنما الشديد الذي يصرع غضبه) وهذا غاية الشجاعة مع النفس وهي إحدى مظاهر الكمال الإنساني .
خامساً: ترك التنازع والاختلاف:ـ
[ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ] فإن الاختلاف يحدث الفشل ويذهب الريح ويؤلب الأعداء ، ويشتت الجهود ، وربما انشغل أقوام بأنفسهم عن عدوهم من جرائه ، وقد عاب الله – تعالى – على أهل الكتاب من قبلنا وعلى من يتبعهم من هذه الأمة تفرّقَهم وتنازعَهم فقال : [ تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ] والعقل الرشيد يملي على الإنسان أن يكون في غاية الحرص على رأب الصدع بين الطوائف والشرائح التي تُكَوِّن سَدَى المجتمع الإسلامي ولحمته .
سادساً : التفاؤل :ـ
فقد كان – صلى الله وعليه وسلم – يعجبه الفأل ، وفي الصحيحين عن أنس قال : كان النبي – صلى الله وعليه وسلم – أشجع الناس ، وأحسن الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت ، فاستقبلهم النبي – صلى الله وعليه وسلم – وهو على فرس لأبي طلحة عري وهو يقول : (لن تراعوا ، لن تراعوا …)
ولذا فإن من أعظم ما ينبغي أن يعالج في قلوب فئة ليست قليلة من المسلمين اليوم، هذا الشعور بالوهن والعجز ، وقلة الحيلة ، مع أنها أمة تستعصي على الفناء فقد دعا النبي – ﷺ – ألا تهلك أمته بسنة بعامّة ، وقد أجيبت دعوته ، فبقيت هذه الأمة على مدار التاريخ تمرض ولكن لا تموت.
إن هذه الأمة قد دهمتها خطوبٌ ومحن أعظم فصبرتْ لها وتجاوزتها ، ومرتْ بأطوار كانت فيها أشد ضعفاً وتفرقاً مما هي الآن فحفظ الله الضيعة وجبر الكسر وجمع الشَّمل، فقد انتصر النبي – ﷺ – والمسلمون في بدر وهم أذلة ، وهزموا في أُحد ، وعقدوا صلحاً في الحديبية ، وفتحوا مكة ، وأدبروا يوم حُنين ، والتاريخ له سنن ولكن نفسه طويل ، ونحن نعجل والله لا يعجل ” بل لهم موعدٌ لن يجدوا من دونه موئلاً”.
سابعاً: تحقيق مبدأ الأخوة الإسلامية في أجلى صورها : ـ وذلك وفق المعطيات المتاحة .
ومن ذلك :
1- الولاء للمؤمنين وعدم إعانة الكافرين عليهم ، قال الله سبحانه وتعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين” وقال تعالى “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة . . ”
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في نواقض الإسلام : “الناقض الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله – تعالى – : ” ومن يتولهم منكم فإنه منهم”.
والمطلوب من المسلمين تحقيق الأخوة فيما بينهم ، ونصرة بعضهم بعضاً ، فإن عقد الولاء قائم في محكم التنـزيل ونصوص السنة “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه . . “.
وفي خطبة الوداع يقول -ﷺ – : (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ) .
2- السعي في إغاثة المنكوبين وإعانتهم من الأطفال والشيوخ والنساء والمشردين، وأن يكون لإخوانهم زمام المبادرة والسبق لهم وهم موجودون في الكثير من بقاع الأرض .
3- الحذر الشديد من الوقوع في فخاخ تنصب للمسلم قد يوقعه فيها ذهول الصدمة ، أو ثورة الحماس . إن أكثر ما نحتاج إليه في أمور كثيرة من حياتنا هو التوازن ، والانطلاق من الثوابت الراسخة ، من غير أن يفقدنا التأثر بالأفعال وردود الأفعال توازننا المطلوب ، ولا نحتاج إلى كبير عناء لنكتشف أن كثيراً من خطايانا وأخطائنا كانت نتيجة جنوح في النظرة بعيداً عن التوازن والاعتدال المطلوب .
إن للمشاعر حقها في أن تغلي وتفور ، أما الأفعال فلابد أن تكون مضبوطة بهدي الكتاب والسنة ، ومقاصد الشرع وضوابط المصلحة، ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى أهل الرسوخ من العلماء الربانيين الورعين ، الذين لا يجاملون لمصالح خاصة ، ولا يتملقون عواطف عامة، وقد كان العلماء على تعاقب العصور صمام أمان عندما تطيش الآراء وتضطرب الأمور “ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم”.
ولذا فإن من أعظم ما يوصى به الشباب كبح جماح الانفعالات ، بحيث لا تنتج اجتهادات خاصة ربما جنى بعضها أول ما يجني على المسلمين ومصالحهم ، وأن يكون عند الشباب بخاصة برغم حرارة الانفعال وشدة التأثر تبصر في معالجة الأمور ، وحسن تأتٍّ في التعامل مع أحداث خطيرة لها ما بعدها ، فينبغي ألا يخرجنا التأثر إلى التهور ، ولا الحماس إلى الطيش ، وإن حماس الشباب طاقة فاعلة منتجة إذا وجهت في الطريق الرشيد ، وعلى كل شاب ألا يجعل من حماسه صهريج وقود يمكن أن يشعلهُ أي عابث ، وإن العبرة ليست بتنفيس المشاعر ، وتفريغ العواطف ، ولكن العبرة بتحقيق المصالح ، ودرء المفاسد ، وهذا لا يخبره ولا يقدره إلا أهل العلم والورع.
ودعوة الله إنما تنمو وتكبر وتنتعش وتعيش في أجواء السكينة والاستقرار ولهذا قال الزهري عقب صلح الحديبية : إن الناس أمن بعضهم بعضًا فلم يكن أحد يعقل في الإسلام إلا دخل فيه ، حتى دخل في الإسلام بعد الصلح وقبل الفتح أضعاف من دخلوا فيه قبل ذلك ، حتى إن الرسول – صلى الله عليه سلم – جاء إلى الحديبية بنحو أربعة عشر مائة ثم جاء في فتح مكة بما يزيد على عشرة آلاف ، وما بينهما إلا وقت يسير .