تعلم اللغة العربية واجب على كل مسلم لأجل فهم القرآن وإقامة الشعائر التي لا تصح إلا بها ، وتجوز خطبة الجمعة بغير العربية للضرورة ، وليس معنى جواز الشيء للضرورة أن يُترك الأصل ويرضى الناس بالضرورة إلى الأبد بل يجب السعي في إزالتها .
أهمية تعلم المسلم اللغة العربية:
يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
إن معرفة اللغة العربية واجبة على كل مسلم ؛ لأن فهم الدين وإقامة شعائره وأداء فرائضه كل ذلك موقوف على فهم هذه اللغة ولا تصح إلا بها ، وخطبة الجمعة من أقلها تأكيدًا وثبوتًا ، وإن كانت من أكبر الشعائر فائدة ، وقد كان الذين يدخلون في الإسلام من الأعاجم على عهد الصدر الأول يبادرون إلى تعلم اللغة العربية لأجل فهم القرآن والسنة والارتباط بصلة اللغة التي لا تتحقق وحدة الأمة بدونها ، وكان الصحابة يخطبون الناس باللغة العربية في كل بلاد يفتتحونها وما كان يمر الزمن الطويل على بلاد يدخلونها إلا وتتحول لغتها إلى لغتهم في زمن قصير بتأثير روح الإسلام ، لا بالترغيب الدنيوي ولا بقوة الإلزام ، ولو كانوا يرون إقرار مَن يدخل في دينهم من الأمم الأعجمية على لغاتهم لَبادروا هم إلى تعلم لغات تلك الأمم وأقاموا لهم فرائض الدين وعباداته بها وبقي الروماني رومانيًّا والفارسي فارسيًّا وهلمّ جرًّا .
وإن التفريق الذي نراه اليوم في المسلمين باختلاف اللغات هو من سيئات السياسة ومفاسدها الكبرى وإذا لم ترجع الدول الإسلامية غير العربية إلى السعي في تعميم اللغة العربية في بلادها فسيأتي يوم تندم فيه وإننا لا نعتد بإصلاح في هذه البلاد من بلاد المسلمين ما لم يجعل ركن التعليم الأول تعلم العربية وجعلها لغة العلم .
هل يجوز خطبة الجمعة بغير العربية:
لا يصعب عليك أن تجد عند الحنفية وجهًا لجواز الخطبة بلغة من تخطبهم لأجل حصول المقصود من الخطبة، كما جوزوا كون القاضي والمفتي من المقلدين خلافًا لنصوص المذهب بل المذاهب كلها في اشتراط كونهما مجتهدين ، وكما جوزوا كون القاضي جاهلاً وفاسقًا ، وكما جوزوا صلاة الجمعة في الأمصار التي ليس فيها حاكم ينفذ الأحكام الشرعية ، وكما جوزوا إمامة مَن ليس مستوفيًا لشروط الإمامة ، وغير ذلك من الأحكام التي جوزوها للضرورة .
وليس معنى جواز الشيء للضرورة أن يُترك الأصل ويرضى الناس بالضرورة إلى أبد الأبيد وإنما معناه أن يأخذوا بالاستعداد لإقامة الحق والرجوع إلى الأصل مع الإتيان بالشيء ناقصًا وذلك بأن يترخصوا بترك بعض الشروط فيه مع الجد في تحصيلها إلى أن تتم الشروط ويستقر كل شيء في نصابه وإلا كان لنا أن نترك الدين كله أو نحوله عن وجهه تعللاً للضرورات التي تتحكم فيها الأهواء كما تشاء .
قلت : إن خطبة الجمعة أهون من غيرها لأنها غير مجمع على وجوبها فإن من السلف من قال إنها مندوبة كخطبة العيد فإذا أقيمت أركانها الأصلية بالعربية وزِيد فيها شيء من الوعظ بلغة أخرى للحاجة لا يخل ذلك بصحة الصلاة ولا بصحة الخطبة ولكنه يدخل في الشعائر الإسلامية تشويهًا يخشى أن يصير مستمرًّا .
وليست المصيبة في عدم فهم الخطبة أقوى من المصيبة في عدم فهم الفاتحة وغيرها من السور والآيات التي تقرأ في الصلاة ، اللهم اجزِ مَن نصروا لغاتهم على لغة كتابك حتى حالوا بينه وبين عبادك بما يستحقون ؛ فقد صارت صلاة المسلمين تقليدية محضة لا روح فيها كصلاة كثير من أهل الملل الأخرى .
ترجمة خطبة الجمعة بعد إلقائها بالعربية:
يمكن أن يترجم الخطيب خطبه النافعة بلغة القوم ويقرأ عليهم الترجمة بعد الصلاة لينتفعوا بها لعدم فهمهم أصلها العربي في إقامة شعائر الدين ، والمسلم يعلم أن المسلمين ما زالوا يخطبون بالعربية في جميع بلاد الأعاجم ، لم يختلف في هذا أحد ، وقد عد بعض الحنفية الضرورة التي تجيز العدول عدم وجود خطيب يحسن العربية حتى يوجد وقالوا لا بد من السعي في إيجاده ، قال شارح الإحياء : ( وهل يشترط كون الخطبة كلها بالعربية وجهان ، الصحيح اشتراطه فإن لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها ويجب عليهم التعليم وإلا عَصوا ولا جمعة لهم ) : يعني أن الضرورة لا يجوز أن تجعل مستمرة بل يجب السعي في إزالتها .
ونحن نقول : يجب تعلم العربية ليفهم غير الناطق بها الخطبة وما هو أهم من الخطبة كالفاتحة وسائر الأذكار والسور ، فإن لم يفعلوا كانوا عاصين ولا صلاة لهم ولا قراءة لهم وإنما لهم الصور التي لا تؤثر في القلب ولا تزكي النفس ، وما كان كذلك فلا تأثير له في سعادة الآخرة ولا في سعادة الدنيا .