ترتيب آيات القرآن الكريم أمر توقيفي:
بمعنى أنه وصلنا كما رتبة رسول الله ﷺ، بناء على توجيه جبريل عليه السلام، وهذا أمر مجمع عليه لم يختلف فيه أحد من الأئمة، وحُكى الإجماع على ذلك عن جماعة منهم الزركشي في كتابه “البرهان” وأبو جعفر في كتابة “المناسبات”.
وجاءت في ذلك رواية عن الإمام أحمد بسنده عن عثمان ابن أبي العاص، قال: كنت جالسًا عند رسول الله ﷺ إذ شخص ببصرة ثم صوبه ثم قال: “أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضوع من السورة: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى..) إلى آخرها، [سورة النحل: 90].
وجاء في صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: ما سألت النبي ﷺ عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء” وسميت هذه الآية بأية الصيف لأنها نزلت في زمن الصيف، وهي قوله تعالى (يستفتونك في النساء) “انظر تفسير القرطبي ج6 ص29.
ترتيب السور في القرآن فيه ثلاثة آراء للعلماء:
أ- رأى يقول إنه توقيفي من عند رسول الله ﷺ.
ب- ورأي يقول إنه باجتهاد الصحابة، حيث جعلوا السور الطوال في الأول، ثم المئين بعدها، وهي التي آياتها مائة أو تزيد، ثم المثاني بعدها، وهي التي آياتها أقل قليلاً من مائة آية، ثم بعدها المفصل وهو قصار السور، والمفصل نفسه منه طوال ومنه أوساط ومنه قصار – وأجمع الصحابة على هذا الترتيب.
ودليل هذا الرأي أن مصاحف الصحابة كانت مختلفة في ترتيب السور قبل أن يجمع القرآن في عهد عثمان. وما رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان أن عثمان هو الذي قرن سورة التوبة بسورة الأنفال دون كتابة البسملة بينهما، وذلك لتشابة قصتهما، مع أن الانفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من أواخر ما نزل بها، ولهذا رتبت ترتيبًا واحدا.
ج- ورأي يقول: إن بعض السور كان ترتيبها بتوقيف من النبي ﷺ وبعضها الآخر كان باجتهاد الصحابة، وهو الذي مال إليه أكثر العلماء.
ومما رتبه الرسول بنفسه البقرة وآل عمران. فقد صح في مسلم حديث “اقرأوا الزهراوين: البقرة وآل عمران” وكذلك قل هو الله أحد والمعوذتان، فقد صح في البخاري أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشة كل ليلة. جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين. لكن قد يكون ذلك واقعة حال وليس أمرًا بالترتيب. غير أنه مرجح.
لم يرتب القرآن في سوره وآياته حسب النزول:
لأنه نزل مفرقًا ومنجمًا على مدى ثلاثة وعشرين عامًا، ينزل حسب الظروف والمقتضيات، ليبين حكم قضية، أو يجيب على سؤال، أو يوجه إلى سلوك رشيد أو غير ذلك. وقد تنزل في ذلك سورة بأكملها، وقد تنزل آيات فقط من السورة الواحدة لموضع معين، ثم تنزل آيات لموضع آخر، وقد تكون في السورة نفسها أو في سور أخرى.
ولما كان بين بعض الآيات والبعض الآخر تناسب في حكم من الأحكام أو في الحديث عن ظرف معين كان من تقدير الله سبحانه أن يضم هذه الآيات المتناسبة بعضها إلى بعض، كما أن توزيع بعض الآيات التي تتحدث عن قصة نبي من الأنبياء كموسى عليه السلام مثلاً وجعلها متباعدة في السور له حكمة أيضًا، ليعطي فيها جرعة للنبي ﷺ في الاقتداء والتأسي ليثبت فؤاده، أو يعرض عليه هذه القصة من زاوية معينة تتناسب مع ظروف نزولها، فيوضع هذا البعض من القصة مع حكم شرعي أو آيات يناسبها أن تقرن القصة بها، فيكون هناك توزيع للقصة الواحدة يجعل بعض الذين لا يفهمون السر في ذلك يقولون: لماذا لم يجمع الله كل القصة في سورة واحدة مثلاً ؟
لكن ترتيب الله أحكم، فهو ليس ترتيبًا عشوائيًا، إنما هو صنع الله الذي أتقن كل شيء.
ومهما يكن من شيء فإن مراعاة الترتيب الموجود الآن يجب احترامه، لأنه إجماع الصحابة بعد كتابة عثمان لمصحفه وإرسال نسخ منه إلى الأمصار – يراجع ذلك في كتاب “مناهل العرفان” للزرقاني ، وكتاب “الإتقان في علوم القرآن” للسيوطي.
أما تقسيم القرآن إلى أجزاء وأحزاب فهذا حدث فى عصر التابعين.
وهو اجتهاد من العلماء لتيسير التلاوة والحفظ.