الأعياد غير الإسلامية وتطورات التقويم وتغير مواعيد الأعياد:
هذا ملخص من عدة مواضع من كتاب “تاريخ الحضارة المصرية، ومن بحث للدكتور عبد الحميد لطفي في مجلة الثقافة ” عدد 121″ لسنتها الثالثة في 22/4/1941م عن عيد الربيع او عيد شم النسيم الحقيقي ثابت في موعده كل عام، لارتباطه بالتقويم الشمسي.
الاحتفال بالربيع كان معروفاً عند الأمم القديمة من الفراعنة والبابليين والآشوريين، وكذلك عَرَفَه الرومان والجرمان، وإن كانت له أسماء مختلفة، فهو عند الفراعنة عيد شم النسيم، وعند البابليين والآشوريين عيد ذبح الخروف، وعند اليهود عيد الفِصْح، وعند الرومان عيد القمر،وعند الجرمان عيد”إستر” إلهة الربيع.
وأخذ احتفال اليهود به معنى دينيًّا هو شكر الله على نجاتهم من فرعون وقومه.
وأطلقوا عليه اسم ” عيد بساح” الذي نُقل إلى العربية باسم”عيد الفِصْح”وهو الخروج، ولعلَّ ممَّا يُشير إلى هذا حديث رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: قَدِم رسول الله ـ ﷺ ـ المدينة فرأى أن اليهود تصوم عاشوراء،فقال لهم: “ما هذا اليوم الذي تصومونه”؟ قالوا هذا يوم عظيم،نجَّى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه،فصامه موسى شكرًا فنحن نصومه،فقال رسول الله ـ ﷺ ـ” نحن أحقُّ وأولي بموسى منكم”، فصامه رسول الله ـ ﷺ ـ وأمر بصيامه. وفِي رواية فنحن نصومه تعظيمًا له.
غير أن اليهود جعلوا مَوعدًا غير الذي كان عند الفراعنة،فحدَّدوا له يوم البدر الذي يَحل في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرةً.
ولما ظهرت المسيحية في الشام احتفل المسيح وقومُه بِعيد الفِصح كما كان يحتفل اليهود، ثم تآمر اليهود على صَلْب المسيح وكان ذلك يوم الجمعة 7 إبريل سنة 30 ميلادية، الذي يَعْقُب عيد الفِصح مباشرًة، فاعتقد المسيحيُّون أنه صلب في هذا اليوم، وأنه قام مِن بين الأموات بعد الصَّلْب في يوم الأحد التالي، فرأى بعض طوائفها أن يحتفلوا بذكرى الصلب في يوم الفِصْح، ورأت طوائف أخرى أن يحتفلوا باليوم الذي قام فيه المسيح من بين الأموات، وهو عيد القيامة يوم الأحد الذي يعقب عيد الفصح مباشرةً، وسارت كل طائفة على رأيها، وظل الحال على ذلك حتى رأي قسطنطين الأكبر إنهاء الخلاف في “نيقية” سنة 325 ميلادية، وقرَّر توحيد العيد، على أن يكون في أول أَحَد بعد أول بدر يقع في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرةً، وحسب الاعتدال الرَّبيعي وقتذاك فكان بناءً على حسابهم في يوم 21 من مارس “25 من برمهات”، فأصبح عيد القيامة في أول أحد بعد أول بدر، وبعد هذا التاريخ أُطلِق عليه اسم عيد الفصح المسيحي تمييزًا له عن عيد الفِصْح اليهودي.
هذا ما كان عند اليهود وتأثُّر المسيحيين به في عيد الفصح. أما الأقباط ـ وهم المصريون الذين اعتنقوا المسيحية ـ فكانوا قبل مسيحيتهم يحتفلون بعيد شم النسيم كالعادة القديمة، أما بعد اعتناقهم للدين الجديد فقد وجدوا أن للاحتفال بعيد شم النسيم مظاهِرَ وثنيَّةً لا يُقرُّها الدِّين، وهم لا يستطيعون التخلُّص من التقاليد القديمة، فحاولوا تعديلها أو صبْغها بصبغة تتَّفق مع الدين الجديد،فاعتبروا هذا اليوم يومًا مباركًا بدأت فيه الخَليقة، وبَشَّر فيه جبريل مريم العذراء بحَمْلها للمسيح، وهو اليوم الذي تقوم فيه القيامة ويُحشر الخلق، ويذكرنا هذا بحديث رواه مسلم عن النبي ـ ﷺ ـ” خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه دَخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة” صحيح مسلم بشرح النووي”ج6 ص 142.
فاحتفل أقباط مصر بشم النسيم قوميًّا باعتباره عيد الربيع،ودينيًّا باعتباره عيد البشارة، ومزَجوا فيه بين التقاليد الفِرْعَوْنية والتقاليد الدينية. وكان الأقباط يصومون أربعين يومًا لذكرى الأربعين التي صامها المسيح عليه السلام، وكان هذا الصوم يبدأ عقب عيد الغطاس مباشرة،فنقله البطريرك الإسكندري ديمتريوس الكرام، وهو البطريك الثامن عشر ” 188-234م” إلى ما قبل عيد القيامة مباشرةً، وأدْمج في هذا الصوم صوم أسبوع الآلام، فبلغت عِدَّته خمسةً وخمسين يومًا، وهو الصوم الكبير، وعمَّ ذلك في أيام مجمع نيقيه” 325م” وبهذا أصبح عيد الربيع يقع في أيام الصوم إن لم يكن في أسبوع الآلام، فحُرِّم على المسيحيين أن يحتفلوا بهذا العيد كعادتهم القديمة في تناول ما لذَّ وطاب من الطعام والشراب، ولما عزَّ عليهم ترْك ما درجوا عليه زمنًا طويلًا تخلَّصوا من هذا المَأْزِق فجعلوا هذا العيد عيدين أحدهما: عيد البشارة يُحتفل به دينيًّا في موضعه، والثاني: عيد الربيع ونقلوه إلى ما بعد عيد القيامة؛ لتكون لهم الحرية في تناول ما يشاءون، فجعلوه يوم الاثنين التالي لعيد القيامة مباشرةً، ويُسمَّى كَنَسِيًّا: ” اثنين الفِصح”، كما نقل الجِرْمانيُّون عيد الربيع ليَحلَّ في أول شهر مايو.
من هذا نرى أن شم النسيم بعد أن كان عيدًا فِرْعَوْنيًّا قوميًّا يتَّصل بالزِّراعة جاءته مِسْحة دينيَّة، وصار مرتبطًا بالصوم الكبير وبعيد الفصح أو القيامة،حيث حُدِّد له وقتٌ معيَّن قائم على اعتبار التقويم الشَّمسي والتقويم القَمَري معًا، ذلك أن الاعتدال الربيعي مرتبط بالتقويم الشمسي، والبدر مرتبط بالتقويم القمري، وبينهما اختلاف كما هو معروف، وكان هذا سببًا في اختلاف موعده من عام لآخر، وفي زيادة الاختلاف حين تَغيَّر حساب السنة الشمسية من التقويم اليولياني إلى التقويم الجريجوري. بيان ذلك: أن التقويم القمري كان شائعًا في الدولة الرومانية، فأبْطله يوليوس قيصر، وأنشأ تقويمًا شمسيًا،قدَّر فيه السنة بـ25، 365 يومًا، واستخدم طريقة السنة الكبيسة مرة كل أربع سنوات، وأمر يوليوس قيصر باستخدام هذا التقويم رسميًّا في عام 708م من تأسيس روما، وكان سنة 46 قبل الميلاد، وسُمِّي بالتقويم اليولياني، واستمرَّ العمل به حتى سنة 1582م حيث لاحظ الفلكيون في عهد بابا روما جريجوريوس الثالث عشر خطأ في الحساب الشمسي، وأن الفرق بين السنة المعمول بها والحساب الحقيقي هو 11 دقيقة ، 14 ثانية، وهو يعادل يومًا في كل 128 عامًا، وصحح البابا الخطأ المتراكم فأصبح يوم 5 من أكتوبر سنة 1582 هو يوم 15 أكتوبر سنة 1582 م، وهو التقويم المعروف بالجريجوري السائد الآن، وعندما وضع الأقباط تاريخهم وضعوه من يوم 29 من أغسطس سنة 284م الذي استشهد فيه كثيرون أيام ” دقلديانوس” جعلوه قائمًا على الحساب اليولياني الشمسي، لكن ربطوه دينيًّا بالتقويم القمري، وقد بني على قاعدة وضعها الفلكي” متيون” في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو أن كل 19 سنة شمسية تعادل 235 شهرًا قمريًّا، واستخدم الأقباط هذه القاعدة منذ القرن الثالث الميلادي، وقد وضع قواعد تقويمهم المعمول به إلى الآن البطريرك ديمترويوس الكرام، وساعده في ذلك الفلكي المصري بطليموس.
وبهذا يُحدَّد عيد القيامة” الذي يَعقبه شم النسيم” بأنه الأحد التالي للقمر الكامل “البدر” الذي يَلِي الاعتدال الربيعي مباشرةً. وقد أخذ الغربيون الحساب القائم على استخدام متوسط الشهر القمري لحساب ظهور القمر الجديد وأوجهه لمئات السنين “وهو الحساب المُسمَّى بحساب الألقطى”، وطبَّقوه على التقويم الروماني اليولياني، فاتَّفقت الأعياد المسيحية عند جميع المسيحيين كما يُحدِّدها التقويم القِبطي، واستمر ذلك حتى سنة 1582م حين ضبط الغربيون تقويمهم بالتعديل الجريجوري، ومن هنا اختلف موعد الاحتفال بعيد القيامة وشم النسيم.
عيد شم النسيم:
فقد قالوا: إن أشهر أنواع البيض بيضة هنري الثاني التي بعث بها إلى” ديانادي بواتييه” فكانت عُلبةَ صَدَفٍ على شكل بيضة بها عقد من اللؤلؤ الثمين، كما بعث لويس الرابع عشر للآنسة ” دى لا فاليير” علبة بشكل بيضة ضمَّنها قطعة خشب من الصَّليب الذي صُلب عليه المسيح، ولويس الخامس عشر أهدى خطيبته ” مدام دى باري” بيضة حقيقة من بيض الدجاج مَكسوَّة بطبقة رقيقة من الذهب، وهي التي قال فيها الماركيز “بولفر” لو أنها أُكِلت لوجَبَ حفظ قِشْرتها” مهندس / محمد حسن سعد – الأهرام 25 من أبريل 1938.
وقيصر روسيا ” الإسكندر الثالث ” كلف الصائغ ” كارل فابرج” بصناعة بيضة لزوجته 1884م، استمر في صنعها ستة أشهر كانت مُحلَّاة بالعقيق والياقوت، وبَيَاضُها من الفضة وصَفَارُها من الذهب، وفي كل عام يهديها مثلها حتى أبطلتْها الثورة الشيوعية 1917م.
حكم احتفال المسلم بعيد شم النسيم:
هذا ما نُحب أن نَلْفِتَ الأنظار إليه. إن الإسلام يريد من المسلم أن يكون في تصرُّفه على وعْي صحيح وبُعْد نَظَر، لا يندفع مع التيار فيسير حيث يسير ويميل حيث يميل، بل لا بد أن تكون له شخصية مستقلة فاهمة، حريصة على الخير بعيدة عن الشر والانزلاق إليه، وعن التقليد الأعمى، لا يبغي أن يكون كما قال الحديث” إمَّعة” يقول: إن أحسَنَ الناس أحسنتُ، وإن أساءوا أسأتُ، ولكن يجب أن يُوطِّن نفسه على أن يُحسن إن أحسنوا، وألا يُسيء إن أساءوا، وذلك حفاظًا على كرامته واستقلال شخصيته، غير مُبالٍ بما يوجَّه إليه من نقد أو استهزاء، والنبي ـ ﷺ ـ نهانا عن التقليد الذي من هذا النوع فقال ” لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه” رواه البخاري ومسلم.
فلماذا نحْرص على شَمِّ النَّسيم في هذا اليوم بِعَينه والنسيم موجود في كل يوم؟ إنَّه لا يعدو أن يكون يومًا عاديًّا من أيام الله حكمه كحُكْم سائرها، بل إنَّ فيه شَائبةً تُحمل على اليقظة والتبصر والحذر، وهي ارتباطُه بعقائد لا يُقرُّها الدِّين، حيث كان الزَّعم أنَّ المسيح قام من قبره وشَمَّ نسيم الحياة بعد الموت.
ولماذا نحرص على طعام بعينه في هذا اليوم، وقد رأينا ارتباطه بخرافات أو عقائد غير صحيحة، مع أنَّ الحلال كثير وهو موجود في كل وقت، وقد يكون في هذا اليوم أردأ منه في غيره أو أغلى ثمنًا.
إن هذا الحرص يُبرِّر لنا أن ننصح بعدم المشاركة في الاحتفال به مع مراعاة أن المجاملة على حساب الدين والخلُق والكرامة ممنوعة لا يُقرِّها دين ولا عقل سليم والنبي ـ ﷺ ـ يقول: ” مَن التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مئونة الناس، ومَن التمس رضا الناس بِسَخَطِ الله وَكَلَهُ الله إلى الناس” رواه الترمذي ورواه بمعناه ابن حِبَّان في صحيحه.