بعض الطيور فيها جمال في أصل الخِلْقة أو في الألوان أو في الأصوات أو في غيرها، والجمال مُحَبَّبٌ إلى كلِّ نفس سوية، وهو من نِعم الله التي يجب أن تُشكر، كما قال تعالى ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبَادِه وَالطَّيِّبَاتِ مِن الرِّزْقِ ) ( الأعراف: 22 ) وقال ( والْخَيْلَ والْبِغَالَ والْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ) ( النحل: 8 ).
وإذا كانت الزينة التي خلقها الله وأخرجها لعباده في الحيوانات والنباتات وغيرها مباحة وغير مُحَرَّمة، فكذلك التزيُّن ـ وهو فعل الزينة ـ ليس ممنوعا في كل الأحوال، وإذا كان ممنوعًا عند التكبُّر والخُيَلاء أو الإسراف فهو غير ممنوع إن خلا من هذه الأشياء.
جاء في تفسير القرطبي ” ج7 ص 97 ” ليس كل ما تهواه النفس يُذَمُّ، وليس كل ما يتزين به الناس يُكْرَه، وإنما ينهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه، أو كان على وجه الرياء في باب الدين، فإن الإنسان يُحِب أن يُرى جميلاً … وذلك حظٌّ للنفس لا يُلام فيه، ولهذا يسَرِّح شعره، وينظر في المرآة، ويسوى عمامته، ويلبس بطانة الثوب الخشنة إلى داخل وظهارته الحسنة إلى خارج، وليس في شيء من هذا ما يُحَرَّم أو يُذَمُّ.
وقد روى مكحول عن عائشة قالت: كان نفرٌ من أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ ينتظرونه على الباب، فخرج يريدهم، وفي الدار رِكوة فيها ماء، فجعل ينظر في الماء ويسوي لِحْيَته وشعره، فقلت: يا رسول الله وأنت تفعل هذا؟ قال ” نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه، فإن الله جميلٌ يحب الجمال .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر ” فقال رجل: إن الرجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا ونعْله حسنًا، قال ” إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبْر بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ الناس .
بعد هذه المقدمة في الزينة وأن الأصل فيها الحل، وفي أهمية الجمال في حياة الناس، وموقف الإسلام الرائع في تشريعه العادل الذي لا يُهمل الفطرة الإنسانية إهمالاً تامًا، ولكن يوجِّهها ويهذِّبها ـ بعد هذه المقدمة أقول: إن صنع الزينة واستعمالها والاتِّجار فيها لا بأس به في حد ذاته، ومن الزينة بعض الطيور والأسماك، فيجوز اقتناؤها وبيعها ما دام ذلك في حدود الشرع وبشروط، ومن هذه الشروط:
1 ـ ألا يقصد بها التفاخر والخُيَلاء، كما هو دأب المُتْرفين، والأعمال بالنيات.
2 ـ ألا يلهي التمتُّع بها أو الانشغال برعايتها واستثمارها عن واجب من الواجبات.
3 ـ ألا يهمل في رعايتها بالتقصير في تغذيتها مثلاً، فالحديث معروف في تعذيب الله للمرأة التي حبست القطة دون أن تطعمها أو تسقيها.
هذا، وقد ورد في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله ـ ﷺ ـ أحسن الناس خُلُقًا، وكان لي أخ لأمي فطيم يُقال له عُمَيْر، فكان رسول الله ـ ﷺ ـ إذا جاءنا قال ” يا أبا عُمَيْر ما فعل النُّغَير”؟ وعمير تصغير عمر أو عمرو. والفطيم بمعنى المفطوم، والنُّغير تصغير نُغَر وهو طير كالعصافير حُمْرُ المناقير، وأهل المدينة يسمونه البُلْبُل.
قال الدميري في كتابه ” حياة الحيوان الكبرى “: في الحديث دليلٌ على جواز لعب الصغير بالطير الصغير. وقال العلامة أبو العباس القرطبي: لكن الذي أجازه العلماء هو أن يُمْسَك له وأن يلهو بحَبْسِه، وأما تعذيبه والعَبَثُ به فلا يجوز؛ لأن النبي ـ ﷺ ـ نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكله.
وقال غيره: معنى قوله: يلعب به، يتلهَّى بحبسه وإمساكه، وفيه دليل على جواز حبس الطير في القفص والتلهي به لهذا الغرض وغيره.
ومنع ابن عقيل الحنبلي من ذلك، وجعله سَفَهًا وتعذيبًا، لقول أبي الدرداء رضي الله عنه: تجيء العصافير يوم القيامة تتعلَّق بالعبد الذي كان يحبسها في القفص عن طلب أرزاقها وتقول: يا رب هذا عذَّبني في الدنيا.
والجواب أن هذا فيمن منعها المأكولَ والمشروبَ، وقد سُئِل القفال عن ذلك فقال: إذا كفاها المؤونة جاز، بل في الحديث دليل على جواز قنصها ـ صيدها ـ للعب الصبيان بها، وكان بعض الصحابة يَكْرَه ذلك، ورأيت لأبي العباس أحمد بن القاص مصنفًا حسنًا على هذا الحديث.
ويؤخذ مما ذكره الدميري أن حبس الطيور للزينة وغيرها جائز ما دام يكفيها مؤونتها، وما دام لا يعذِّبها، ومن كره ذلك من بعض العلماء محلُّه عند التقصير والإيذاء، والكراهة على كل حال لا تَعْنِي الحرمة، فالحرام معصية يعاقب عليها، والمكروه ليس معصية ولا يعاقب عليه.
وحكم الطير يسري على الأسماك المتخذة للزينة في أحواض ضيقة ليس في سعة الأنهار، والبحار، وكذلك على الحيوانات في الحدائق المُعَدة لها، وقد حبست في أقفاص أو أبنية ليست في سعة الصحراء والغابات التي كانت تعيش فيها من قبل.