روى البخاري ومسلم أن النبي ـ ﷺ ـ قال “قاتَلَ اللهُ اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”، وروى مسلم أنه قال قبل أن يموت بخمسٍ “إنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك”. وروى الجماعة إلا البخاري وابن ماجه قوله: “لا تُصَلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها”.
تحدَّث العلماء عن هذه الأحاديث فقال بعضهم: محلُّ الذم أن تُتخذ المساجد على القبور بعد الدَّفن، وليس ذلك مذمومًا إذا بُنيَ المسجد أولاً وجُعل القبر في جانبه ليُدفن فيه واقف المسجد أو غيره .
لكن العراقي قال: الظَّاهر أنه لا فرق، وأنه إذا بنى المسجد لقصد أن يدفن في بعضه أحد فهو داخل في اللَّعنة، بل يَحْرُم الدَّفن في المسجد، وإن شرط أن يُدْفَن فيه لم يصحّ الشرط، لمخالفته لمقتضى وقفه مسجدًا .
وإذا كان بعض العلماء قد حَمَلَ النَّهي على التحريم فإن البعض الآخر حَمَلَه على الكراهة، بمعنى أن الصلاة إلى القبر صحيحةٌ لكن مع الكراهة.
والذين قالوا بصحتها مختلفون، فقال بعضهم: هي مكروهة سواء أكان القبر أمام المُصَلِّي أم خَلْفه أم عن يمينه أم عن يساره . وقال آخرون: محلُّ الكراهة إذا كان القبر أمامه؛ لأن هذا الوَضْع هو الذي يُرَاد من اتخاذه مسجدًا ومن الصلاة فيه أو إليه. أما إذا كان القبر خَلْفه أو عن يمينه أو عن يساره فلا كراهة .
والأئمة الثلاثة قالوا بصحة الصلاة وعَدم كراهتها، اللهمَّ إلا إذا كان القبر أمام المُصَلِّي فتكون مكروهة مع الصحة .
أما أحمد بن حنبل فهو الذي حرم الصلاة وحكم ببطلانها ـ ومحلُّ هذا الخلاف إذا كان القبر في المسجد، أما إذا كان مفصولاً عنه والناس يصلُّون في المسجد لا في الضريح أو الجزء الموجود فيه القبر فلا خلاف أبدًا في الجواز وعدم الحُرْمَة أو الكراهة.