استمناء الصائم لا يأخذ حكما واحدا؛ وذلك لأن الاستمناء تارة يكون باليد وتارة يكون بالنظر بمعنى أن يسترسل الصائم في النظر إلى المناظر الجنسية والصور الإباحية حتى يخرج منه المني، وتارة يكون الصائم عالما بالحكم أو جاهلا، ولكل حكم، وبيان ذلك كما يلي:
حكم استمناء الصائم بيده:-
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الاستمناء مبطل للصوم، وذهب بعض أهل العلم من الحنفية كأبي بكر بن الإسكاف وأبي القاسم ووافقهم ابن حزم والشيخ الألباني إلى أن تعمد الاستمناء لا يفسد الصوم.
والراجح هو أن تعمد الاستمناء مع العلم بالحكم يبطل الصوم؛ وذلك لأن تعمد الاستمناء يتنافي مع الحكمة التي من أجلها شرع الصوم، ألا وهي كبح جماح الشهوة، وتربية النفس على المجاهدة، ولذلك أرشد إليه النبي ﷺ في وصيته الغالية فقال “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء” رواه مسلم.
وفي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه قال ﷺ: “يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي…”، والذي تعمد الاستمناء لم يترك شهوته.
جاء في كتاب المغني لابن قدامة: ولو استمنى بيده فقد فعل محرما، ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل، فإن أنزل فسد صومه؛ لأنه في معنى القبلة في إثارة الشهوة. فإما إن أنزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض، فلا شيء عليه؛ لأنه خارج لغير شهوة، أشبه البول؛ ولأنه يخرج من غير اختيار منه، ولا تسبب، فأشبه الاحتلام”.ا.هـ
وجاء في كتاب المجموع للنووي: إذا استمنى بيده وهو استخراج المني أفطر بلا خلاف عندنا.
وإذا كان تعمد الاستمناء مع العلم بالحكم مبطل للصوم فهل يجب القضاء فقط أم القضاء والكفارة؟
قولان لأهل العلم، والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء –خلافا للمالكية- وهو أنه يجب عليه القضاء مع التوبة، وليس عليه كفارة، وذلك لأن الكفارة لم يرد النص عليها إلا في حق من تعمد إفساد الصوم بالجماع،فلا يقاس عليه غيره؛ لأنه أغلظ من غيره فيقتصر عليه.
أما من تعمد الاستمناء وهو جاهل بالحكم فصومه صحيح ولا شيء عليه..
جاء في كتاب المنثور للزركشي:لو أكل أو شرب جاهلاً بالتحريم وكان يجهل مثل ذلك لم يفطر وإلا أفطر…ا.هـ
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وقال الشافعية: لو جهل تحريم الطعام أو الوطء، بأن كان قريب عهد بالإسلام ، أو نشأ بعيدا عن العلماء، لم يفطر ، كما لو غلب عليه القيء ا.هـ
الاستمناء بالنظر والتفكر:
أما الاستمناء بالتفكر فهو محل خلاف بين أهل العلم، والراجح أنه لا يبطل الصوم لقوله ﷺ: “إن الله تجاوز لأمتي بما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل”. متفق عليه
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
الاستمناء باليد يبطل الصوم عند المالكية، والشافعية، والحنابلة، وعامة الحنفية على ذلك؛ لأن الإيلاج من غير إنزال مفطر، فالإنزال بشهوة أولى.
وقال أبو بكر بن الإسكاف، وأبو القاسم من الحنفية: لا يبطل به الصوم ، لعدم الجماع صورة ومعنى. ولا كفارة فيه مع الإبطال عند الحنفية والشافعية ، وهو مقابل المعتمد عند المالكية ، وأحد قولي الحنابلة ، لأنه إفطار من غير جماع؛ ولأنه لا نص في وجوب الكفارة فيه ولا إجماع.
ومعتمد المالكية على وجوب الكفارة مع القضاء، وهو رواية عن أحمد، وعموم رواية الرافعي من الشافعية، والتي حكاها عن أبي خلف الطبري يفيد ذلك، فمقتضاها وجوب الكفارة بكل ما يأثم بالإفطار به، والدليل على وجوب الكفارة: أنه تسبب في إنزال فأشبه الإنزال بالجماع.
أما الاستمناء بالنظر فإنه يبطل الصوم عند المالكية، تكرر النظر أم لا، وسواء أكانت عادته الإنزال أم لا، والحنابلة معهم في الإبطال إن تكرر النظر. والاستمناء بالتكرار مبطل للصوم في قول للشافعية أيضا ، وقيل . إن كانت عادته الإنزال أفطر ، وفي ” القوت ” أنه إذا أحس بانتقال المني فاستدام النظر فإنه يفسد .
وقال الحنفية لا يفطر به الصائم مطلقا ، وهو المعتمد للشافعية ، ولا كفارة فيه إلا عند المالكية ، لكنهم اختلفوا في الحالات التي تجب فيها الكفارة . إن تكرر النظر وكانت عادته الإنزال أو استوت حالتاه وجبت عليه الكفارة قطعا .
وإن كانت عادته عدم الإنزال فقولان .
أما مجرد النظر من غير استدامة فظاهر كلام ابن القاسم في المدونة أنه لا كفارة . وقال القابسي : كفر إن أمنى من نظرة واحدة.
وأما الاستمناء بالتفكير فلا يختلف حكمه عن حكم الاستمناء بالنظر، من حيث الإبطال والكفارة وعدمهما عند الحنفية ، والمالكية ، والشافعية.
أما الحنابلة، عدا أبي حفص البرمكي ، فقالوا بعدم الإفساد بالإنزال بالتفكير ، لقوله ﷺ : “عفي لأمتي
ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به “.
إقرأ أيضا:
فضل العشر الأواخر من رمضان وهدي النبي ﷺ فيها
فضل ليلة القدر..وقتها وعلاماتها