ليس هناك تناقض . يقول الله تعالى: (أنزل من السماء ماء) (النحل 65) ويقول سبحانه وتعالى: (وأنزلنا من السماء ماء) المؤمنون 13 لأن المطر ينزل من جهة السماء، كما قال المفسرون . الأقدمون منهم والمحدثون .. يقول هؤلاء ويفسرون ” السماء ” بالجهة العليا .. وليست السماء هي السماوات البعيدة فقط، فكلمة السماء في اللغة العربية تعني: كل ما علاك . أي كل ما كان فوقك فهو سماء .. حتى يقال أحيانًا عن السقف: سماء . ما أظلك فهو سماء .
وقد جاء في القرآن الكريم (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة، فليمدد بسبب إلى السماء – (أي بحبل إلى سقف بيته) – ثم ليقطع، فلينظر، هل يذهبن كيده ما يغيظ ؟) . إذا انتحر، سخطًا، على ما قدر الله عز وجل أو على أن الله لم ينصره، أو لم يجب دعوته، أو كذا أو كذا .. هل يذهبن كيده ما يغيظ .
فالسماء في هذه الآية هي السقف ، فإذا قال الله تعالى ” من السماء” أي من الجهة العليا ، وهذا صحيح؛ فإن المطر ينزل من السحاب، يسوق الله هذا السحاب، ثم ينزل هذا السحاب ماء، بعد أن يتبخر من البحار، ويعلم المسلم أن البحار تكون حوالي ثلاثة أرباع هذه الكرة . (71%) من مساحة هذه الأرض التي نعيش عليها مياه .. محيطات وبحار .
وهذه البحار والمحيطات تتسلط عليها أشعة الشمس، القوية، فتبخرها .. والتبخر شيء نراه، نراه على القدر فوق النار، ونراه في البحار، ونراه في آثار الرطوبة التي نحسها .. كل هذا من أثر البخار الذي يتبخر نتيجة أشعة الشمس، فالمساحات الضخمة هذه، أين يذهب بخارها ؟ بخارها يذهب إلى فوق، حتى يلامس جوًا باردًا، أو يحتك بقمم الجبال أو نحو ذلك، مما يشرحه الشارحون ويعرفه الدارسون .. فينزل المطر فعلاً.. ويسلكه الله ينابيع في الأرض، ويجريه أنهارًا فيها، فأصل المطر في الحقيقة من الأرض، أصل الماء الذي يجري في الأرض نهرًا، أو يفيض منها عيونًا، أصله من الأرض .. الله خلق الأرض وخلق فيها كمية المياه اللازمة لها، ليخرجها منها ، فهذا ثابت في سورة النازعات، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها) (النازعات: 30، 31) . كيف يقول (أخرج منها ماءها) ؟ مع أن الماء – أو معظمه – نازل من فوق، وليس خارجًا من الأرض ؟ ! إنما قال ذلك، لأن أصله من الأرض …
وهذا أدركه العرب والمسلمون من قديم حتى قال الشاعر يصف السحب :
جرين بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج.
ويقول شاعر آخر في ممدوحه:
كالبحر يمطره السحاب وماله فضل عليه لأنه من مائه !.
فهم قد أدركوا هذا وقالوه، وأسهبوا فيه، فكيف – ونحن في عصر العلم والنور – ننكر هذا ولم ينكره أسلافنا ؟.
إن الشيء الذي يخلقه الله بتدبير علوي سماوي يصح أن نقول فيه ” أنزله الله ” وهكذا جاء القرآن، فقال تعالى: (وأنزلنا لكم من الأنعام ثمانية أزواج) (الزمر: 6) . هل نزلت الأنعام من السماء ويقول سبحانه وتعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس) (الحديد: 25) . فهل أنزل الله الحديد ؟ أم نستخرجه من باطن الأرض ؟؟ إن معنى الإنزال هنا أن الله خلق ذلك بتدبير علوي سماوي فوقي .. فهذا هو المقصود.
فليطمئن، على أنه ليس هناك أبدًا تناقض بين العلم والدين – كما يقول البعض -، وإن كان – للأسف – كما يقول البعض ممن ينتسبون إلى علم الدين من ينكر هذا ويقول: إن الماء لا ينزل من السحاب، إنما السحاب غربال فقط، وإنما ينزل من السماء .. وهذا شيء لا يصح أن يقال، ولا يصح أن يعارض به العلم ولا أن يقال أبدًا إن القرآن يناقض هذا، فالقرآن كما قلنا واضح في هذا، وحسبنا قوله تعالى: (أخرج منها ماءها ومرعاها).