جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي :ـ
اختلف الفقهاء في عورة الرجل بالنسبة للأجنبية، فيرى الحنفية أن لها النظر إلى ما عدا ما بين السرة إلى الركبة إن أمنت على نفسها الفتنة .
والمالكية يرون أن لها النظر إلى ما يراه الرجل من محرمه وهو الوجه والأطراف عند أمن الفتنة .
أما الشافعية فلا يجيزون لها النظر إلى ما هو عورة وإلى ما هو غير عورة منه من غير سبب , بدليل عموم آية : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } وبدليل ما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت { كنت عند رسول الله ﷺ وعنده ميمونة , فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب ، فقال ﷺ : “احتجبا منه “فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال النبي ﷺ : “أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه } .
والقول الراجح عند الحنابلة يجيز نظر المرأة إلى ما ليس بعورة من عورة الرجل بالنسبة للرجل : الأجنبي , لحديث عائشة رضي الله عنها { كان رسول الله ﷺ يسترني بردائه , وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد.
يقول الدكتور القرضاوي في نظر المرأة إلى الرجل:
من المتفق عليه: أن النظر إلى العورة حـرام، بشهوة أم بغير شـهوة، إلا إن وقع ذلك فجـأة بغير قصـد ولا تعمد، وهو ما جاء فيه الحديث الصحيح الذي رواه جرير بن عبد الله: سألت النبي – ﷺ- عن نظر الفجأة فقال: ” اصرف بصرك ” رواه مسلم.
ولكن يبقى البحث هنا عن عورة الرجل ما هي ؟.
فالسوءتان عورة مغلظة متفق على تحريم كشفها أو النظر إليها، إلا في حالة الضرورة كالعلاج ونحوه، وحتى لو كانت مغطاة بما يجسمها ويبرزها أو يشف عنها، فهو محظور شرعا.
وأكثر الفقهاء على أن الفخذين من العورة، وأن عورة الرجل ما بين السرة والركبة، وقد استدلوا على ذلك ببعض الأحاديث التي لم تسلم من التعليل، وبعـضهم حسنها وربما صححها بمجموع طرقها، وإن كان كل واحد منها في ذاته يقصر عن الاحتجاج به على إفادة حكم شرعي.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن الفخذ ليس بعورة، مستدلين بحديث أنس أن الرسول -ﷺ- حسر عن فخذه في بعض المواضع، ونصر هذا المذهب أبو محمد بن حزم.
ومذهب المالكية المنصـوص عليه في كتبهـم أن العورة المغلظة من الرجـل هي السوءتان فقط أي القبل والدبر.. وهي التي تبطل الصلاة بكشفها أبدًا مع القدرة.
وحاول فقهاء الحديث الجمع بين الروايات المتعارضة إن أمكن ذلك، أو الترجيح بينها، فقال الإمام البخاري في صحيحه: (باب ما يذكر في الفخذ: وروي عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي-ﷺ-: أن الفخذ عورة، وقال أنس: ” حسر النبي -ﷺ- عن فخذه”، وحديث أنس أسند أي أقوى سندًا وحديث جرهد أحوط) (يلاحظ أن البخاري علق الحديث بصيغة التضعيف ” روي ” مما يدل على ضعفه عنده، كما ذكر في الترجمة).
واتجه الشوكاني في ” نيل الأوطار ” إلى توجيه الأحاديث التي ذكرت أن الفخذ عورة على أنها حكاية حال لا عموم لها.
أما المحقق ابن القيم فقال في ” تهذيب سنن أبي داود” :.
وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم: أن العورة عورتان: مخففة ومغلظة، فالمغلظة السوءتان، والمخففة الفخذان، ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين لكونهما عورة، وبين كشـفهما لكونهما عورة مخففـة.
وفي هذا رخصة للرياضيين وغيرهم ممن تسـتلزم هواياتهم وممارساتهم الملابس القصيرة، مثل “الشورت” ونحوه، وكذلك من يشـاهدونهم.. وكذلك الكشـافة والجوالة، وإن كان يجب على المسلمين أن يفرضوا على تلك المنظمات العالمية طابعهم الخاص وما تقتـضيه قيمهم الدينية ما استطاعوا.
وينبغي التنبيه هنا، أن ما كان عورة من الرجل، فالنظر إليه حرام من المرأة والرجل جميعًا وهذا أمر واضح.
وأما ما لم يكن عورة من الرجل، كالنظر إلى وجهه وشعره وذراعيه وساقيه وما إلى ذلك، فالقول الصحيح أنه جائز، ما لم يصحب ذلك شهوة، أو خوف فتنة.. وهذا هو رأي جمهور فقهاء الأمة، وهو الذي دل عليه عمل المسلمين منذ عصر النبوة، وما بعده من خير القرون، ودلت عليه أحاديث صحيحة صريحة لا تقبل طعنًاوذهب بعض الفقهاء إلى منع المرأة من رؤية الرجال عامة، مستدلين بما ذكرته السائلة في سؤالها.
أما حديث فاطمة رضي الله عنها، فلا قيمة له من الناحية العلمية، ولم أره في كتاب من كتب أدلة الأحكام، ولا استدل به فقيه من الفقهاء، حتى المتشددون الذين منعوا المرأة من النظر إلى الرجل لم يذكروه، وإنما ذكره الإمام الغزالي في ” الإحياء “، وقال الحافظ العراقي في تخريجه: رواه البزار والدارقطني في “الأفراد ” من حديث على بسند ضعيف. (ذكره في كتاب النكاح، باب آداب المعاشرة، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد جـ 2/202 وقال: رواه البزار وفيه من لم أعرفه).
وأما الحديث الآخر، فنجد الرد عليه فيما ذكره ابنقدامة في تلخيص الرأي في المسألة، حيث قال في ” المغني ” فأوجز وأحسن:.
فأما نظر المرأة إلى الرجل ففيه روايتان:.
إحداهما:لها النظر إلى ما ليس بعورة.
والأخرى:لا يجوز لها النظر من الرجل إلا إلى مثل ما ينظر إليه منها اختاره أبو بكر، وهذا أحد قولي الشافعي.
لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت: كنت قاعدة عند النبي ـ ﷺ ـ، فاستأذن ابن أم مكتوم، فقال النبي -ﷺ-: ” احتجبا منه “، فقلت: يا رسول الله، إنه ضرير لا يبصر، قال: ” أفعمياوان أنتما لا تبصرانه ؟ ” رواه أبو داود وغيره.
ولأن الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به.
ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسًا على الرجال.
يحققه أن المعنى المحرم للنظر خوف الفتنة، وهذا في المرأة أبلغ، فإنها أشد شهوة وأقل عقلاً، فتسارع الفتنة إليها أكثر.
ولنا قول النبي -ﷺ- لفاطمة بنت قيس: ” اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضـعين ثيابك، فلا يراك ” متفق عليه. (وفي رواية لمسلم: ” فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ” ومعنى هذا أنه أراد الرفق بها والتيسير عليها، فلا تظل طوال اليوم ملتزمة بالثياب الساترة للجسم كله إذا بقيت عند أم شريك كثيرة الضيفان.. أما ابن أ م مكتوم فإنه لا يراها، فيمكنها بعض التخفف).
وقالت عائشة: ” كان رسول الله ـ ﷺ ـ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ” متفق عليه.
ويوم فرغ النبي – ﷺ- من خطبة العيد ” مضى إلى النساء فذكرهن ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة”.
ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب، كما وجب على النساء لئلا ينظرن إليهم.
فأما حديث نبهان، فقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين. يعني هذا الحديث، وحديث ” إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه ” وكأنه أشار إلى ضعف حديثه، إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول.
وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث، وحديث فاطمة صحيح، فالحجة به لازمة.
ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النبي -ﷺ-، كذلك قال أحمد وأبو داود.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: كأن حديث نبهان لأزواج النبي -ﷺ- خاصة، وحديث فاطمة لسائر الناس ؟ قال: نعم. (وقال أبو داود بعد رواية الحديث: وهذه لأزواج النبي -ﷺ- خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم ؟.انظر سنن أبي داود، حديث 4112).
وإن قدر التعارض، فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الأخذ بحديث مفرد في إسناده مقال). (المغني لابن قدامة 6/563،564).
بقي هنا قيد مفروغ منه، وهو ما ذكرناه في نظر الرجل إلى المرأة، وأعني به ألا يكون مصحوبًا بالتلذذ والشهوة، وإلا حرم، ولهذا أمر الله المؤمنات أن يغضضن من أبصارهن، كما أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم سواء.. قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُـضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْـضُضْنَّ من أبصارهن ويحفظن فروجهن…). (النور: 30، 31.الآية).
صحيح أن المرأة تثير الرجل وتحرك شهوته، أكثر مما يثير الرجل المرأة، وأن المرأة أكثر جاذبية للرجل، وهي المطلوبة غالبًا والرجل هو الطالب، ولكن هذا كله لا يمنع أن من الرجال من يجذب عين المرأة وقلبها بشبابه ووسامته، أو بقوته وفحولته، أو بغير ذلك من المعاني التي ترنو إليها أعين بعض النساء، أو تهفو إليها قلوبهن.
وقد قص علينا القرآن الكريم قصة امرأة العزيز مع فتاها يوسف، الذي شغفها حبًا وكيف غدت هي الطالبة لا المطلوبة، وكيف راودته عن نفسه وقالت: (هيت لك قال معاذ الله). (يوسف :23).
كما قص علينا موقف نسوة المدينة حينما رأين يوسف لأول مرة بما آتاه الله من شباب وحسن ونضارة وقوة: (فلما رأينه أكْبَرْنَه وقَطَّعْن أيديهن وقُلْن حاش لله ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم.. قالت فَذَلِكُنّ الذي لُمْـتُنَّني فيه ولقد راودته عن نفسه فاسـتعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجَنَنَّ وليكونًا من الصاغرين). (يوسف “31،32)
فإذا نظرت المرأة إلى رجل معين، فتحركت فيها عوامل الأنوثة، فعليها أن تغض بصرها، ولا تتابع النظر إليه، بعدًا عن مظنة الفتنة، ويزداد الأمر خطرًا إذا بادلها الرجل النظر بنفس الرغبة والشهوة.. فهذا هو النظر الذي سـموه (بريد الزنى) والذي وُصِف بأنـه (سهم مسموم من سهام إبليس).