بيع الجرائد وتوزيعها من حيث الأصل مباح، ولكن كون الجرائد مشتملة على الصور الفاضحة فإن هذا يغير الحكم من الإباحة للحرمة، لأن هذه الصور العارية يحرم نشرها وتداولها . والمسلم مأمور بألا يكون واسطة لنشر الرذيلة والفساد في المجتمع الذي يعيش به، وعلى هذا فعلى المسلم أن يترك العمل الذي يحصد فيه الآثام، وعليه أن يبحث عن عمل آخر يتقوت منه، والحلال واسع .
هذه المسألة فيها أمران متنازعان :
الأول : توزيع الجرائد كعمل.
الثاني : اشتمال الجرائد والمجلات على صور فاضحة.
أما توزيع الجرائد في حد ذاته كعمل ، فلا بأس به، لأن هذه الجرائد تمثل الناحية التثقيفية للناس ، والتي من خلالها يعرفون ما يدور في بلدهم وفي العالم كله، بل قد يصل الأمر إلى حد الوجوب من المعرفة أحيانا لبعض الأشخاص، في كونها وسيلة معرفة واطلاع ، قد تتاح للبعض ، وقد لا يتاح لهم غيرها من وسائل النشر والإعلام .
وينظر في طبيعة العمل بما يؤديه من وظيفة ، فالوظيفة من حيث العموم لا بأس بها ، أما اشتمالها على الصور الفاضحة والتي حرمها الله تعالى وحرم نشرها ، فإن العمل من هذه الزاوية يعد تعاونا على نشر الرذيلة والصور الإباحية ، وقد نهى الله تعالى عن إشاعة الفاحشة في المجتمع ، ووعد من يخطط لها ويعمل على نشرها بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة .
ومن هنا ، فقد اجتمع الحلال والحرام ، وواجب على المسلم أن يحفظ دينه مما يشوبه، وألا يتنازل بشكل دائم عن دينه ، فنحن لا نتنازل في أمور الدنيا، ولكن نجعل دائما الدين هو المطية التي يجب أن تتنازل عنها، ونفتح أبوابا كثيرا لتحويل المنهي عنه إلى أمر مباح شرعا، وإن كان الفقهاء يحرمون كل ما فيه فحش أو ضرر، ويبيحونه للضرورة ،فيجب أن تقدر الضرورة بقدرها ، وأن من ليس عنده ضرورة يجب ألا يدعي الضرورة ، وإلا فقد ارتكب الحرام ، ولو كان يخادع نفسه .
كما أن العمل ليس حكراً على بيع الجرائد فحسب ، بل الأعمال في الدنيا واسعة كبيرة ، فلماذا لا يلجأ الناس إلى الحلال الذي تطمئن إليه نفوسهم ، وألا يقل الحفاظ على الدين على أي شيء له قيمة في حياة الناس ، وألا نرخص ديننا من أجل دنيانا ، وإن كان الله تعالى قد وسع علينا الأمر، ولم ينه عن العمل إلا ما كان فيه ضرر أو كان حراما، فمجال العمل الحلال واسع، فلماذا نضيع على أنفسنا ، ونجعل أننا لن نعيش إلا من هذا الحرام ،وهو المتاح أمامنا ، ولا عمل غيره؟
يجب على المسلمين أن يحافظوا على دينهم ، وأن يؤمنوا بقول ربهم:” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا”.
كما يجب عليهم ألا يكونوا أداة نشر للفساد، بل يجب عليهم أن يكون أداة إصلاح في مجتمعهم.
ومع كل هذا نقول لكل مسلم: إن كان يرى بصدق أنه لا عمل له ، وأنه لا دخل له إلا من خلال هذا العمل ، فأقل ما فيه أنه شبهة ، لاشتماله على الحلال و الحرام، وإن كنا نرى أن يبتعد عنه ، ويبحث عن غيره ، فإن الله تعالى جاعل له مخرجا ، لتركه الحرام ، ولن يكون أكرم من الله تعالى .