يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
قال ﷺ: (ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن) رواه البخاري عن أبي هريرة وأحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وأبو داود عن أبي لبابة بن عبد المنذر والحاكم من حديث البراء بن عازب وصححه أن النبي ﷺ قال: (زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حُسنًا)، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن التغني بالقرآن معناه الاستغناء به عن غيره، وهذا غير صحيح بدليل حديث أبي هريرة المتفق عليه في الصحيحين ومسند أحمد وسنن أبي داود و النسائي (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن) فأي علاقة للاستغناء بحسن الصوت، ودليل قول أبي موسى الأشعري للنبي ﷺ لما أخبره أنه استمع ليلة لقراءته: لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبَّرته لك تحبيرًا.
على أن علماء السلف قد اختلفوا في هذه المسألة فأنكر قراءة الألحان بعضهم وعرفها آخرون، وقد أورد حجج الفريقين ابن القيم في (زاد المعاد) وجمع بينها بأن المنكر هو تكلُّف الألحان الموسيقية، والتطريبات غير الطبيعية، والمعروف هو ما اقتضته الطبيعة من التطريب والتحزين والتشويق إلى ما يشوق إليه، والتنفير مما ينفر منه، وهذا هو الصواب الذي يتفق مع حكمة الشرع ومقصد الدين، أعني الاهتداء بالقرآن وتدبره والاتعاظ به.
أما ترتيل القرآن: الترتيل من الرتَل (بالتحريك) وهو انتظام الشيء واتساقه وحسن تنضيده يقال: ثغر رتِل ومرتَّل إذا كانت الأسنان حسنة النظام والتنضيد.
فترتيل القرآن عبارة عن تجويد قراءته وإرساله من الفم بالسهولة والتمكث وحسن البيان [ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ]( القيامة : 16 ) [ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ]( الإسراء : 106 ) والغرض من الترتيل الذي ينافي العجلة ويقتضي المكث والتأني هو أن يفهمه السامع كالقارئ ويتمكن كل منهما من تدبره وفهمه، ويصل تأثيره إلى أعماق قلبه، وحَسَن الصوت أقدر على إتقان الترتيل ، وفصيح اللسان أملك لحسن البيان والتجويد، وأجدر بقوة الإفهام والتأثير، وإنما كرهت النغمات المتكلفة ، والألحان المتعملة؛ لأنها تشغل القارئ والسامع بالصوت والصناعة فيه، عن تدبر الكلام والاتعاظ به، فالفرق بين التغني المحمود والتغني المذموم، والتلحين المعروف والتلحين المنكر، هو أن المحمود المعروف ما يشغل نفسك بالفهم والتدبر، والاتعاظ والتأثر، والمذموم المنكر ما يشغلها بالصوت، وإتقان الصناعة في اللفظ.