إن الواقع يشهد بارتكاب المعاصي ممن يصومون رمضان ومن لا يصومون من المسلمين وغيرهم، وذلك على الرغم من الأحاديث الصحيحة من تقييد الشياطين أو تصفيدها في رمضان.
وقد قال شُراح الأحاديث: إنَّ المراد بتقييدها عدم تسلُّطها على من يصومون صومًا صحيحًا كاملاً، ورُوعيت فيه كلُّ الآداب التي منها عِفة اللسان والنظر والجوارح كلها من المعصية استجابة لقول الرسول ـ ﷺ ـ في الحديث الصحيح “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والْعَمَلَ به فليس لله حاجة في أن يَدعَ طعامه وشرابه” رواه البخاري.
أو المُراد أن الشياطين المُصَفدة هي المَرَدة والجَبَابرة، وأما غيرهم فلا يقيدون، ولذلك تقع من الناس بعض المعاصي وأكثرها غير خطير، وهذا ما نصت عليه رواية الترمذي “صُفِّدت الشياطين مَرَدة الجِن” أو المُراد أن الشياطين كلَّها تُقيد بمعنى يِضعُف نشاطها ولا يكون بالقوة التي يكون عليها في رمضان.
لكن مع احترام ما قالوه نرى كبائر المعاصي وأخطرها تُرْتَكَبُ في شهر رمضان من الصائمين، ولهذا قال بعض العلماء: إذا كانت الشياطين تُقيد في رمضان فإن هناك بواعث أخرى على المعصية غير الشيطان، ومنها النَّفس الأمارة بالسوء، أو العادات والأعراف القبيحة التي تدفع إلى الشر أو شياطين الإنس من الجبابرة المزهوين بقوتهم، وهذه الدوافع موجودة في كُلِّ وقت، وهي كافية لارتكاب المعاصي في الوقت الذي تُقيد فيه الشياطين، ودور النفس البشرية الأمارة بالسوء لا يَقِل خطرًا عن دور الشياطين، ونرى ذلك واضحًا في إقرار الشيطان يوم القيامة كما قال رب العزة: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وُعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (سورة إبراهيم : 22).