إن من يزعمون أن لديهم قدرة على تحضير الأرواح فهؤلاء إما دجالون ومشعوذون، وإما سحرة لهم اتصال بالجان، والشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون، ولذلك فالواجب الحذر من أمثال هؤلاء حتى لا يفسدوا علينا ديننا ودنيانا بكذبهم وتضليلهم، أما أروح الموتى فعلمها عند الله تعالى، وهي منشغلة بما آل إليه مصيرها فهي إما منعمة وإما معذبة.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي -رحمه الله تعالى-:
الشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون.
لا ريب أن الناس في حيرة أمام هذه الأسئلة، وهم يسمعون من هذا ما يناقض ذاك، وهم يريدون أن يخرجوا من هذه الحيرة والبلبلة برأي ديني صحيح صريح يضع الحق في نصابه، ويرد الناس إلى الصراط المستقيم.
والذي لا نستطيع أن ننكره، أن هناك أشياء خفية تحضر في جلسات التحضير رآها الكثيرون رأي العين تحرك السلال والأقلام تكتب وتجيب، أحيانًا بالخطأ وأحيانًا بالصواب، وإنكار هذا مكابرة في نظر من شاهدوا تلك الظاهرة، وهرب من مواجهة المشكلة بما يزيد الإشكال.
والذي نعتقده كذلك نحن المؤمنين بالأديان أن في الكون قوى غير منظورة وعوالم كثيرة غير محسوسة، منها:.
1-أرواح الموتى: فعقيدتنا أنها باقية بعد الموت، وأنها لا تفنى بفناء الجسد، وأنها تنعم أو تعذب، وأن القرآن أخبرنا عن الشهداء، أنهم: (أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (سورة آل عمران: 169، 170) . وهذا طبعًا بالنسبة لأرواحهم أما أجسادهم فقد تكون عظامًا نخرة أو ترابًا مبعثرًا.
وقد أخبر النبي أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه. (رواه مسلم من حديث أنس ).
وقد شرع النبي – ﷺ – لأمته إذا سلموا على أهل القبور، أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقولون: ” السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن اللاحقون ” (رواه مسلم من حديث عائشة) .. وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد: (قال ابن القيم في كتاب ” الروح “: والسلف مجمعون على هذا، وقد توافرت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به ).
وهذا بناء على أن الروح ذات قائمة بنفسها كما هو مقتضى أصول أهل السنة، وقد تظاهرت على ذلك أدلة القرآن والسنة والآثار والاعتبار والعقل والفطرة وأقام ابن القيم رحمه الله على ذلك أكثر من مائة دليل . وقد خاطب الله النفس بالرجوع والدخول والخروج، ودلت النصوص الصريحة على أنها تصعد وتنزل وتقبض وتمسك وترسل وتنفتح لها أبواب السماء وتسجد وتتكلم … إلخ . ما ورد.
2-الملائكة،وهم خلق نوراني غير محسوس، يقومون بوظائف شتى منها حفظ الإنسان، وكتابة أعماله وتوفى روحه (إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) (سورة الطارق: 4) (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ) (سورة الرعد: 11)، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ) (سورة الانفطار: 10، 11)، (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (سورة السجدة: 11)، (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) (سورة النحل: 32)، (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا). (سورة فصلت: 30 ).
وعالم الملائكة عالم مفطور على طاعة الله، ليس له شهوة تفتنه عن ذكره (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) (سورة الأنبياء: 20)، (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). (سورة التحريم: 6 ).
3-الجن،وهم عالم روحي آخر، ولكنهم مكلفون كالإنسان، ولذلك يوجه القرآن الخطاب إلى الفريقين ” يا معشر الجن والإنس ” (سورة الرحمن: 33 ).
وفي القرآن سورة كاملة عن الجن تحدثوا فيها عن أنفسهم وعن علاقتهم برجال من الإنس، وأن منهم المسلمين ومنهم القاسطين (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (سورة الجن: 14)، والكفرة من هؤلاء الجن هم الشياطين وهم ذرية إبليس وجنوده وقد قال الله عنهم: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ). (سورة الأعراف: 27 ).
إذا عرفنا هذا فمن أي هذه العوالم الثلاثة تلك الأرواح الخفية التي تحرك السلال والأقلام ؟.
لا نستطيع أن نقول: إنها أرواح الموتى الذين كانوا معنا بالأمس، فإن كثيرًا من هذه الأرواح المستحضرة، تدخل فيما لا يعنيها، وتفتي بما لا تعلم وتقول ما لا تعرف وتكذب في أشياء، وتتطاول على الغيب الذي استأثر الله به، وما نظن أرواح الموتى فارغة لهذا العبث، فهي إما في نعيمها أو عذابها، في روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
والعجيب أننا لم نسمع عن روح واحدة لكافر أو فاجر صدقت الناس ما تعانيه من عذاب الله الذي أخبر القرآن أنها تلقاه بمجرد الموت (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ) (سورة الأنعام: 93)، (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ) (سورة الأنفال: 50)، (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (سورة غافر: 46)، (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ . وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ . وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ . فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ. تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ . وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ . فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ . وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ . فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ . وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ). (سورة الواقعة: 83 – 95 ).
فهذه منازل الأرواح عقب الموت، وقد صرحت الآيات بأن أرواح المكذبين الضالين لها نزل من حميم وتصلية جحيم.
فهل يمكن أن تكون أرواح الكفار والملحدين العصاة طليقة من كل قيد بحيث . تذهب حيث تشاء وتستجيب لكل من يطلبها لا رقيب عليها ولا حسيب ؟!.
وفي الصحيحين أن النبي – ﷺ – أمر بقتلى بدر من المشركين فألقوا في قليب – بئر – ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: ” يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا ؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا، فقال له عمر: يا رسول الله، ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟ فقال: والذي بعثني بالحق، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون جوابًا .
فإذا كانت هذه الأرواح لا تستطيع مجاوبة النبي الكريم وهو أعمق البشر حاسة روحية، وأوصل الناس بعوالم الغيب، فكيف بغيره من بني الإنسان ؟.
وقد استدل بعضهم على جواز استحضار الموتى بقراءة القرآن بقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى). (سورة الرعد: 31 ).
والحق أن في الآية دلالة واضحة على أن تكليم الموتى بالقرآن ممتنع فقد ورد في سبب نزولها أن مشركي مكة اقترحوا على النبي تعنتًا أن يسير بقرآنه الجبال عن مكة فتتسع لهم، ويتخذوا فيها البساتين، وأن يفجر بقرآنه الأرض عيونًا وأنهارًا، وأن يتلوه على موتاهم فيخاطبوهم ويخبروهم بصدقه، فأنزل الله هذه الآية (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى) أي لو أن قرآنًا سيرت به الجبال … إلخ . لكان هذا القرآن . وكلنا يعلم أن (لو) تفيد امتناع جوابها لامتناع شرطها.
وإذا كانت هذه الأشياء الخفية التي تحضر أو تستحضر ليست هي أرواح الموتى فإنا نعتقد كذلك أنها ليست ملائكة، فهي كما قلنا تكذب وتتناقض وتستطيل على الغيب، وتزعم لنفسها أسماء من البشر، وما هكذا تكون الملائكة، بل هم عباد لله مكرمون (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ). (سورة الأنبياء: 27
لم يبق بعد هذا إلا أن تكون هذه القوى الخفية من عامل الجن والشياطين، وفي العقيدة الإسلامية متسع لمثل هذا، فوجود الجن والشياطين حقيقة مقرة، ومع كل إنسان قرينه من الشياطين كما معه قرينه من الملائكة . وفي الحديث ” ما من أحد إلا وله شيطان ” (رواه مسلم) وفي القرآن: (قال قرينه: ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد). (سورة ق: 27).
ومن حسن الحظ أن هذا الذي نعتقده قد قاله سكرتير جمعية الأهرام الروحية الأستاذ حسن عبد الوهاب الذي استقال منها، وأعلن توبته ووزع منشورًا يذيع فيه رأيه على الناس، وقد نشرته صحيفة الجمهورية في 23 من رمضان سنة 1379هـ، منه هذه الفقرات: ” لقد أزال الله عن قلبي في شهر رمضان غشاوة الضلال، وثبت لي أخيرًا ثبوتًا قاطعًا لا شك فيه أن الشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون، والآن وأنا أودع هذه الحقبة الشقية من عمري، أجدد إسلامي، وأستعيد إيماني، وأودع زملاء أعزاء، لا أحمل لهم في قلبي إلا كل عطف وإشفاق ورثاء، ملحًّا على الله في الدعاء أن ينير بصيرتهم، وينقذهم من أوحال هذه العقيدة الفاسدة.. “.
ثم ما الغرض الذي من أجله تستحضر الأرواح ؟ أهو سؤالها عما كان وما يكون من شئون غيبية ؟.
ومن قال: إن الأرواح – جنًا أو ملائكة وغيرها – تطلع على الغيب المطلق وتخبر به ؟ والله يقول في شأن الجن مع سليمان: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) (سورة سبأ: 14) ويقول على لسانهم: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) (سورة الجن: 10) ويعلن عن موقف الخلق جميعًا بالنسبة للغيب فيقول: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (سورة النمل: 75) (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا) (سورة الأنعام: 59) ويقول على لسان خاتم الرسل: (وَلَوْ كُنتُ
أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ). (آية: 188 سورة الأعراف ).
وهل هذا الاستنطاق بالغيوب إلا من قبيل الكهانة والتكهن الذي أعلن الإسلام الحرب عليه: ” من أتى عرافًا أو كاهنا فسأله فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد – ﷺ – (رواه أحمد والحاكم وصححه وأقروه)، ” ليس منا من تكهن أو تكهن له ” (رواه الطبراني والبزار عن عمران بن حصين بإسناد حسن) إنها الكهانة القديمة في زي جديد.
وما يصدق أحيانًا من بعض ما تخبر به تلك الأرواح ليس غيـبًا حقيقيا، بل هو غيب نسبي مما يعرفه بعض الناس عن بعض، ويعرفه قرناء الإنسان من الجن والإنس . وما أقل ما يصدق وما أكثر الكذب والخلط في تلك التنبؤات، ولكن الناس عادة ينسون الكذب في 99 مرة ويتذكرون الصدق مرة واحدة ولعله صدفة من الصدف.
أم أن الغرض من تحضيرها هو العلاج الروحي كما يقال ؟.
وندع سكرتير الجمعية الروحية المستقيل يجيب عن هذا فيقول: ” أما عن بدعة العلاج الروحي الذي تعلن عنه جمعية الأهرام الروحية بين حين وآخر فهي عملية إيحاء وهمي، وأنا شخصيًا أنفقت نصف عمري في هذه العملية، وكنت مريضًا طيلة هذه المدة بأكثر من مرض لازمني إلى اليوم، وكان من الأولى – وأنا مؤسس الجمعية وصاحب أكبر مكتبة روحية، أن أعالج نفسي، أقولها بكل أسف: لم يحدث شيء من هذا…. “.
إن نبي الإسلام قد اتخذ الأسباب الظاهرة في الوقاية والعلاج، وقال – فيما رواه البخاري -: ” إنما الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، أو شرطة محجم، أو كية بنار . فحصر الشفاء فيما يعرفه الناس في زمنه وفق السنن المعتادة، وقد احتجم هو، وأمر بالحجامة لغيره وبعث بطبيب إلى بعض الصحابة، وحارب تعليق التمائم والودع وغيرها مما يزعم الناس أثره الخفي في العافية والشفاء وقال: ” من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له ” (رواه أحمد والحاكم والطبراني عن عقبة بن عامر ورجالهم ثقات كما في الفيض) . ” من علق تميمة فقد أشرك “. (رواه أحمد والحاكم وأبو يعلى بإسناد جيد كما في الفيض ).
فما الغرض إذن من وراء هذه الظاهرة وإذاعتها وشغل الناس بها في هذه الآونة اللهم إلا بلبلة الأفكار، واضطراب العقائد، وصرف الناس عن الجد باللعب واللهو، والحياة حولنا لا تلهو ولا تلعب ؟ . ولقد أثبت بعض الباحثين أن وراء ظاهرة تحضير الأرواح يد الصهيونية العالمية، التي تستغله لتحقيق أهدافها في دنيا الناس. (انظر بحث الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين ” الروحية الحديثة دعوة هدامة ” ففيه حقائق ومعلومات ذات خطر لابد أن تُعرف ).
ربما كان للغرب عذر إذا انشغل بمثل هذه الأشياء ليرفه عن نفسه ويخفف بها غلواء ماديته، فقد أغرقته المادية إلى أذنيه، فلا عليه إذا تسلى بالأرواح وتحضيرها بعد أن حطّم الذرة وغزا الفضاء.
أما نحن الذين نحفر الصخر بأظافرنا لنصل ما انقطع، ونتدارك ما فات، ونلحق بالركب بل نسبقه إن أمكن، فكيف نشغل أنفسنا بمثل هذا العبث، وعندنا من روحانية ديننا، وفلسفة عقائدنا، وخصوبة إيماننا ما يغذي أشواقنا الروحية ويشبع نهمنا الوجداني والفطري، وينير بصائرنا، ويفسر لنا حقيقة الكون والحياة والإنسان!
أما إن كان في هذا الشر من خير فهو ما تتضمنه هذه الظاهرة من شيء تغص به حلوق الماديين الملحدين الذين ينكرون كل ما لا يحس، ويجحدون ما وراء المادة ولا يذعنون إلا لما يدخل المعمل، وما يخضع للمجهر، والمخبار، فلا روح ولا جن ولا ملائكة فهل يستطيعون بمقاييسهم المادية أن يفسروا لنا هذه القوى الخفية المجهولة ؟! كلا، إنهم يفرون من ذلك بالسكوت أو المكابرة والإنكار.
أما المؤمنون فهم لا يغمضون أعين قلوبهم عما في الكون من قوى وعوالم منظورة حدثهم عنها قرآنهم العزيز وصدق الله (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لَا تُبْصِرُونَ . إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ). (سورة الحاقة: 38 – 40 ).