يقول الشيخ محمد صالح المنجد: الونيسة هي المبيت عند القبر في الليلة الأولى بعد الدفن لإيناس الميت بزعمهم ، وهذا من البدع المذمومة ، التي لا أصل لها من فعل النبي ﷺ ولا من فعل أصحابه ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه. فلما لم يرد شيء من ذلك عنهم ، مع كثرة من مات في حضورهم ، عُلم أنه لا خير فيه.
حكم الونيسة:
الأصل في العبادات التوقيف ، فلا يعبد الله إلا بما شرع في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ.
ولا ثواب في فعل البدع ، بل هي مردودة على صاحبها ، كما قال النبي ﷺ : ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد” رواه البخاري (2697) ومسلم (1718).
وهي ضلالة ، كما قال : ” وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة” رواه مسلم (867) . وزاد النسائي (1578) ” وكل ضلالة في النار”.
وهذا المبتدع ، يخشى عليه أن تصيبه الفتنة ، كما قال سبحانه : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63 .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمر رسول الله ﷺ وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته ، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله , فما وافق ذلك قُبل , وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان , كما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله ﷺ قال : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) . فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً ( أن تصيبهم فتنة ) أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ( أو يصيبهم عذاب أليم ) أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك ) انتهى.
هل يحتاج الميت إلى من يؤنسه:
الميت لا يحتاج إلى من يؤنسه من الأحياء ، فهو مشغول بحسابه ، مجزي بعمله ، كما بين النبي ﷺ في حديث البراء بن عازب الطويل.
حديث البراء بن عازب في قبض الروح:
عَنِ الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ رضي الله عنه قال: خَرَجْنَا مع النبي ﷺ في جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إلى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رسول اللَّهِ ﷺ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وكأن على رؤوسنا الطَّيْرَ وفي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ في الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فقال: اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ من عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أو ثَلاَثاً، ثُمَّ قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر،ثم يجئ ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ،ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض.
قال: فيصعدون بها فلا يمرون يعنى بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب، فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له ، فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى. قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك ؟ فيقول :ربي الله فيقولان له : ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله ﷺ فيقولان له: وما عِلمُك ؟فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت فينادى مناد في السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة ،وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره قال : ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجئ بالخير؟ فيقول :أنا عملك الصالح . فيقول :رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي.
قال : وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله ﷺ : {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } الأعراف:40.
فيقول الله عز وجل :اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ : {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } الحج:31، فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما دينك؟ فيقول :هاه هاه لا أدري فيقولان له :ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري ، فينادى مناد من السماء : أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد ؟ فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجئ بالشر؟ فيقول : أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة) رواه أحمد (18557) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1676) .