الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].
وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال النبي ﷺ: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فالإيمان بقضاء الله تعالى -خيراً كان أو شراً- هو أحد أركان الإيمان وأسسه، فالإنسان قبل أن يؤمن به ويستسلم له لا يعد من المؤمنين، ولا يدخل في زمرتهم، وعندما يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره ويستسلم له، مع إيمانه بباقي الأركان يصير من المؤمنين.
والله تبارك وتعالى عندما يجري على العبد قضاءه بما لا يرضاه العبد مثل: أن يحرمه من الولد، أو يبتليه بالفقر، أو الأمراض والآفات، فلا يعني ذلك أنه تعالى ساخط على ذلك العبد المبتلى، بل قد يكون ذلك لتكفير ومحو الذنوب التي لا ينفك عنها الإنسان غالباً.
قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
كما أنه أيضاً يكون ابتلاء وامتحاناً من أجل إظهار صدق الصادقين في إيمانهم، وتبينه في واقع الأمر، وكشف كذب الكاذبين الذين يدعون الإيمان بالله تعالى وهم كافرون به.
قال تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2].
وهذا استفهام استنكاري ومعناه: أن الله تعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.
وليعلم المسلم أن البلاء قد يكون:
1- لتكفير الخطايا، ومحو السيئات، كما في قول الرسول ﷺ: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.
2- وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال النبي ﷺ: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل…. فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم ليقتدى بهم، وليس ذلك نقصاً ولا عذاباً.
3- وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].
فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
4- وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال الرسول ﷺ: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد والسيوطي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي.
فعلى المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين الشاكرين، كما قال الرسول ﷺ: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
فالمؤمن الذي تصيبه السراء والنعمة فيشكر ربه يحصل الخير، وذلك لأن الله يحب الشاكرين، ويزيدهم من نعمه، قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم [إبراهيم:7].
والمؤمن الذي يصبر على الضراء ينال أجر الصابرين، كما قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157].
وقد بين النبي ﷺ أن من يصبر على فقد (موت) ولده ولا يجزع، بل يسترجع، ويحمد الله، أن الله يبني له بيتاً في الجنة جزاء على صبره وشكره، قال رسول الله ﷺ: إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
ومعنى استرجع: قال “إنا لله وإنا إليه راجعون” فعلى المؤمن أن يقول ذلك إذا أصابته مصيبة من المصائب، وعليه أن يرجع إلى الله، وأن يكثر من ذكره ومن الصلاة، حيث كان النبي ﷺ إذا حزبه أمر يفزع إلى الصلاة. ومعنى حزبه: نزل به أمر مهم.
ومن الأمور التي تهون المصائب: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والوضوء، وتلاوة القرآن الكريم، وتوثيق الصلة بالله سبحانه، والتوبة من كبائر الذنوب….ألخ
وأخيراً على المبتلى أن يلجأ إلى الله في كربته، وأن يتضرع بين يديه لكشف بلواه، فالدعاء هو السلاح الذي يدفع به الضر والبلاء، ويواجه به ما لا قبل له به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة.
وقد لجأ إليه أيوب عليه السلام في بلواه وضره فكشفه الله عنه سبحانه: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء]. انتهى
ونقول لكل مسلم اصبر واحتسب واعلم أن ما قدره الله تعالى هو الخير وبصبرك يعوضك الله تعالى خيرا وصدق الله “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” ، والذي يهون عليك مصابك أن تتذكر دائما أنه لن يفر من الموت أحد فكلنا ميت ولكن من الذي سيودع الآخر؟ ولكن في النهاية سنصير إلى قدرنا وإلى هذا المصير المحتوم نسأل الله تعالى أن يختم لنا بعمل صالح، وأن يقبضنا على الإيمان..
وبصبرك على فقد ابنك أيها المسلم سيعطيك الله تعالى بيتا في الجنة وابنك سيكون لك شفيعا حتى تدخل الجنة معه
وأن الاولاد الذين ماتوا صغارا يكونون في الجنة ولا ينالون حزنا ولاعذابا، فقد روى البخاري و مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي ﷺ إليه إن ابنا لي قبض فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيرا منها، قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله ﷺ، ثم إني قلتها فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله ﷺ. رواه مسلم.
وقال رسول الله ﷺ: إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد. رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة. وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة وعظه ﷺ للنساء، قال لهن فيما يقول : ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار، فقالت امرأة: واثنين، فقال: واثنين.
وعن قرة بن إياس رضي الله عنه أن رجلا كان يأتي النبي ﷺ ومعه ابن له فقال النبي ﷺ: تحبه؟ قال: نعم يا رسول الله أحبك الله كما أحبه، ففقده النبي ﷺ فقال: ما فعل فلان بن فلان؟ قالوا يا رسول الله مات، فقال النبي ﷺ لأبيه: ألا تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟ فقال رجل يا رسول الله: أله خاصة أم لكلنا؟ قال: بل لكلكم. رواه أحمد وقال المنذري: رجاله رجال الصحيح. وفي رواية للنسائي قال: كان نبي الله ﷺ إذا جلس جلس إليه نفر من أصحابه فيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه ففقده النبي ﷺ فقال: ما لي لا أرى فلانا! قالوا يا رسول الله بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي ﷺ فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال: يا فلان أيما كان أحب إليك أن تتمتع به عمرك أو لا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك، قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لهو أحب إلي قال: فذاك لك. والروايتان صححهما الألباني.
وفي الحديث: ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة، قال: يقال لهم: ادخلوا الجنة فيقولون: حتى يدخل آباؤنا فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم. رواه النسائي وصححه الألباني.
وروى مسلم في الصحيح عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله ﷺ بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا، قال: نعم صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى أو قال: فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذا دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة، وقد نقل جماعة فيه إجماع المسلمين. قال المازري: أما أولاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالإجماع متحقق على أنهم في الجنة، وأما أطفال من سواهم من المسلمين فجماهير العلماء على القطع لهم بالجنة ونقل جماعة الإجماع على كونهم من أهل الجنة قطعا لقوله تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم. انتهى كلام النووي. ويدل لما ذكره النووي ما رواه البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي ﷺ في حديث الرؤيا الطويل قال: فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما: ما هذا ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، ثم قالا في جوابهما له: وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم ﷺ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة..