المقصود من الخطبة أن يفهم الناس الموعظة، وتقع منهم موقعها، وعليه فلا مانع من أن يخطب الخطيب الجمعة بلغة الحاضرين، وإذا كان الحاضرون لا يجتمعون على لغة واحدة فلا مانع من إعادة الخطبة بحسب لغات الحاضرين ليفهم الجميع.
لا شك أن تعدد الجمعة في المسجد وفي قاعة الرياضة ليس هو الحل الوحيد حتى نفكر فيه، ولكن هناك حلول أخرى مجدية، منها أن يتم إلقاء الخطبة بلغتين مختلفتين، مرة باللغة العربية، ومرة بلغة البلد، ويتم اختيار موضوعات متقاربة تهم جميع الأطراف بدلا من هذا الحل الفيدرالي الذي تأباه كثير من المدارس الفقهية.
فقد أفتت اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية بعدم جواز ذلك، وجاء في الفتوى رقم: 2369،262/8 ما يلي: إنشاء جمعتين في مسجد واحد غير جائز شرعاً، ولا نعلم له أصلاً في دين الله، والأصل أن تقام جمعة واحدة في البلد الواحد، ولا تتعدد الجمع إلا لعذر شرعي كبعد مسافة على بعض من تجب عليهم أو يضيق المسجد الأول الذي تقام فيه عن استيعاب جميع المصلين أو نحو ذلك مما يصلح مسوغاً لإقامة الجمعة.انتهى.
ويقول الشيخ ابن باز – رحمه الله -: تنازع العلماء رحمهم الله في جواز ترجمة الخطب المنبرية في يوم الجمعة والعيدين إلى اللغات العجمية، فمنع ذلك جمع من أهل العلم رغبة منهم رضي الله عنهم في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها وتشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية، نظرا للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام وما نهاهم عنه من المعاصي والآثام، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة وتحذيرهم من خلافها، ولا شك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ والرسوم ولا سيما إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب باللغة العربية تسابقا إلى تعلمها وحرصا عليها.
فالمقصود حينئذ لم يحصل والمطلوب بالبقاء على اللغة العربية لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين الذين يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع.
ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة، وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية ويترجمها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون، وبذلك يجمع بين المصلحتين وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين.
ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة منها: ما تقدم وهو أن المقصود من الخطبة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق الله ودعوتهم إليه وتحذيرهم مما نهى الله عنه ولا يحصل ذلك إلا بلغتهم، ومنها: أن الله سبحانه إنما أرسل الرسل عليهم السلام بألسنة قومهم ليفهموهم مراد الله سبحانه بلغاتهم كما قال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ وقال عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.
وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور وهم لا يعرفون معناه ولا يفهمون مراد الله منه، فعلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق الله سبحانه، إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته والعناية بها، ومن ذلك أن الرسول ﷺ أمر زيد ابن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي ﷺ مرادهم ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها ومن جهلها منهم دعوه بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة وانقطعت المعذرة ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه ولا سيما في آخر الزمان وعند غربة الإسلام وتمسك كل قبيل بلغته.
فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك.