الفرح نوعان : فرح محمود، وآخر مذموم، وكلاهما ورد في القرآن.
فالفرح المحمود هو الفرح بتحقيق طاعة الله أو بالحصول على نعمة الله أو بتحقق موعود الله ، ومن آيات القرآن التي أتت بهذا قوله تعالى في سورة يونس: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} وأيضا قوله تعالى: فرحين بما آتاهم الله من فضله [آل عمران: 170]
أمَّا الفرح المذموم فهو الفرح بالحياة الدنيا والإفراط في الفرح بأمر لا خير له في الآخرة.
يقول الشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:
هو التمحض للفرح، والفرح المنهيّ عنه هو المفرط منه، أي الذي تمحض للتعلق بمتاع الدنيا ولذات النفس به لأن الانكباب على ذلك يميت من النفس الاهتمام بالأعمال الصالحة والمنافسة لاكتسابها فينحدر به التوغل في الإقبال على اللذات إلى حضيض الإعراض عن الكمال النفساني والاهتمام بالآداب الدينية، وقد ذمَّ القرآن من صنع هذا فقال: { وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ومنه قوله تعالى: {لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ} فقد وردت هذه الآية في قصة قارون مع قومه التي قصَّها لنا الله في القرآن الكريم في سورة القصص، قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ}*{وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ}*{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ}
فقارون كان من قوم موسى كما نص القرآن الكريم ولكنه بغى عليهم، قال ابن عباس: تجبر وتكبر عليهم وسخط عليهم، وقد وعظه الصالحون من قومه بجملة أمور منها قوله تعالى: لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ.
يقول الفخر الرازي في مفاتح الغيب:
والمراد لا يلحقه من البطر والتمسك بالدنيا ما يلهيه عن أمر الآخرة أصلاً، وقال بعضهم: إنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها، فأما من يعلم أنه سيفارق الدنيا عن قريب لم يفرح بها وما أحسن ما قال المتنبـي:
أشد الغم عندي في سرور ***تيقن عنه صاحبه انتقالا
وأحسن وأوجز منه ما قال تعالى: {لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَاءاتَـٰكُمْ} (الحديد: 23) قال ابن عباس: كان فرحه ذلك شركاً، لأنه ما كان يخاف معه عقوبة الله تعالى.
أهـ
ويقول الطاهر بن عاشور مبينا العلة في النهي عن المبالغة في الفرح:
المبالغة في الفرح تقتضي شدة الإقبال على ما يفرح به وهي تستلزم الإعراض عن غيره فصار النهي عن شدة الفرح رمزاً إلى الإعراض عن الجد والواجب في ذلك.