الغفلة في الصلاة هي عمل اختياري فيها للإنسان. إنه أثناء الصلاة يأتي الشيطان ليأخذه لخاطر من الخواطر، وعيب المصلي حينئذ أنه لا يتنبه إلى أنه أُخذ إلى خاطر غير ما هو فيه، فالشيطان يعطيه الخيط ثم يبدأ المصلي ينساق وراءه بفكره ويعيش فيه.
إذن فالذي سيؤاخذ عليه المصلي ليس الخاطر الذي يمر به، ولكن استطراد ذلك الخاطر، وحينما حدث الجدل بين اللّه وبين إبليس، وامتنع إبليس عن السجود لآدم، هل قال إبليس للّه: إنه سيقعد لعباده على الطريق الأعوج؟، لا.. إنما قال: سأقعد لعبادك على الطريق المستقيم، لأن الذي في الطريق المعوج لا يحتاج إلى الشيطان، الشيطان لا يقعد عند الخمارة، إنما يقعد عند باب المسجد، الشيطان لم يقعد ناصحاً عندما قال (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَك المُسْتَقِيم)، ولحظة الصلاة هي أقرب ما يكون فيها العبد إلى اللّه، والشيطان يريد أن يفسد هذه الخلوة بين العبد وربه، فيأتي له بخاطر، والعُقَدة التي لم يكن يعرف حلها قبل الصلاة ينبش له فيها، خيبة الإنسان في تلك اللحظة أن يظل ينقاد للشيطان ويبحث في تلك العقدة ويظل يرتب فيها، وخاطر الشيطان إنما هو طائف، وكلمة طائف تعني أن الشيطان لا يسكن معه دائماً (إنَّ الَّذين اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ)، فلو أن المؤمن حين مسه الطائف قال أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم فاستعاذته باللّه قطعاً ستمنعه عنه، لأنه لا يقدر على الشيطان إلا خالقه، لكن لنفرض أنني لا أقاومه هكذا فما هي النتيجة.
وتحضرنا قصة لأبى حنيفة –رضوان اللّه عليه- وكان مشهوراً بأنه نابه ويقصده كل صاحب مشكلة، وقد ذهب إليه شخص وقال له: يا إمام، لقد كان لديَّ مال، وخبأته في باطن الأرض، ثم نسيت مكانه، فأين أجده؟ قال أبو حنيفة له: ليس لي في ذلك علم، ولكني أحتال لك، إذا جئت بالليل بعد صلاة العشاء قم فتهجد للّه طول الليل. وفى صلاة الفجر جاء الرجل لأبى حنيفة، وقال له: يا إمام، لقد وجدت المال. قال أبو حنيفة له: كيف؟ قال الرجل: لقد نفذت نصيحتك، وأثناء صلاتي في الليل تذكرت مكان المال. فقال أبو حنيفة: واللّه لقد علمت أن الشيطان لن يدعك تتم مناجاتك مع ربك، وسيأتي بخاطر يحدثك بموضوع المال، وستنقاد طوعاً للشيطان، لتصل لمكان المال، فلا أتممتها.
وسيأتي إبليس يوم القيامة على من اتبعه بالحجة، ويقول: واللّه أنتم خائبون يا عصاة، لماذا؟ هل كان لي عليكم سلطان، (إلاَّ أن دَعَوْتُكُم فاسْتَجَبْتُمْ لِي)، لقد كنتم على إشارة مني، فلم يكن لي سلطان حجة أقنعكم، ولو جئت لتجادلني على المعصية لا أجد حجة أقولها لك، هذا هو سلطان الحجة، ولم تكن لديَّ قوة أرغمك بها على فعل شيء لكي أكون سلطان إكراه، إذن فلا عندك سلطان إكراه، ولا عندي سلطان حجة، إذن (ومَا كَانَ لِي عَلَيْكُم مِن سْلْطَانٍ إلاَّ أن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُوني ولُومُوا أنفُسَكُم)، وهذه هي الخطبة (البتراء) التي يخطب إبليس بها في محفل من أوليائه ومحبيه في جهنم عليهم اللعنة أجمعين، وتكون هذه الخطبة بعد انقضاء الأمور ودخول أهل الجنة، ودخول أهل النار، وفيها تشتد الندامة والأسف، ولكن بعد فوات الأوان.