جاءت أحاديث عن النبي تدل على أمره بالكي وأخرى تدل على نهيه عنه، وخلاصة ذلك أن النبي أشار إليه كعلاج لما فيه من المنفعة ثم نهى عنه لما فيه من المضرة ؛لأن ضرره أكبر من نفعه ، فلا يلتجأ إليه إلا إذا لم يجد الإنسان غيره لما فيه من الألم والتعذيب ،والأفضل أن يبحث عن غيره وخاصة مع تقدم العلم في عصرنا ، ولكن لا حرمة في استعماله
وقد أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابن عباس قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ : فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ , وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ ” . ‏

وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح هذا الحديث:
وَأَمَّا الْكَيّ فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَل فِي الْخَلْط الْبَاغِي الَّذِي لَا تَنْحَسِم مَادَّته إِلَّا بِهِ , وَلِهَذَا وَصَفَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ , وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَلَم الشَّدِيد وَالْخَطَر الْعَظِيم , وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَب تَقُول فِي أَمْثَالهَا ” آخِر الدَّوَاء الْكَيّ ” , وَقَدْ كَوَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْد بْن مُعَاذ وَغَيْره , وَاكْتَوَى غَيْر وَاحِد مِنْ الصَّحَابَة وَأَمَّا الْكَيّ فَإِنَّهُ يَقَع آخِرًا لِإِخْرَاجِ مَا يَتَعَسَّر إِخْرَاجه مِنْ الْفَضَلَات ; وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ مَعَ إثْبَاتِهِ الشِّفَاء فِيهِ إِمَّا لِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَحْسِم الْمَادَّة بِطَبْعِهِ فَكَرِهَهُ لِذَلِكَ , وَلِذَلِكَ كَانُوا يُبَادِرُونَ إِلَيْهِ قَبْل حُصُول الدَّاء لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ يَحْسِم الدَّاء فَتَعَجَّلَ الَّذِي يَكْتَوِي التَّعْذِيب بِالنَّارِ لِأَمْرٍ مَظْنُون , وَقَدْ لَا يَتَّفِق أَنْ يَقَع لَهُ ذَلِكَ الْمَرَض الَّذِي يَقْطَعهُ الْكَيّ .

وَيُؤْخَذ مِنْ الْجَمْع بَيْن كَرَاهَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْكَيِّ وَبَيْن اِسْتِعْمَاله لَهُ أَنَّهُ لَا يُتْرَك مُطْلَقًا وَلَا يُسْتَعْمَل مُطْلَقًا , بَلْ يُسْتَعْمَل عِنْد تَعَيُّنه طَرِيقًا إِلَى الشِّفَاء مَعَ مُصَاحَبَة اِعْتِقَاد أَنَّ الشِّفَاء بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى , وَعَلَى هَذَا التَّفْسِير يُحْمَل حَدِيث الْمُغِيرَة رَفَعَهُ ” مَنْ اِكْتَوَى أَوْ اِسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّل ” أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم . وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة : عُلِمَ مِنْ مَجْمُوع كَلَامه فِي الْكَيّ أَنَّ فِيهِ نَفْعًا وَأَنَّ فِيهِ مَضَرَّة , فَلَمَّا نَهَى عَنْهُ عُلِمَ أَنَّ جَانِب الْمَضَرَّة فِيهِ أَغْلَب , وَقَرِيب مِنْهُ إِخْبَار اللَّه تَعَالَى أَنَّ فِي الْخَمْر مَنَافِع ثُمَّ حَرَّمَهَا لِأَنَّ الْمَضَارّ الَّتِي فِيهَا أَعْظَم مِنْ الْمَنَافِع .. وَأَمَّا قَوْله ” وَمَا أُحِبّ أَنْ أَكْتَوِي ” فَهُوَ مِنْ جِنْس تَرْكه أَكْل الضَّبّ مَعَ تَقْرِيره أَكْله عَلَى مَائِدَته وَاعْتِذَاره بِأَنَّهُ يَعَافهُ