الإمام الشافعي فقيه معروف،وقد رُويت عدة أحاديث في قريش حُملت عليه لاتصال نسبه بها: منها:
1- حديث: ” لا تسبوا قريشًا فإن عالِمها يملأ الأرض علمًا، اللهم أذِقْتَ أوَّلَهم عذابًا فَأَذِقْ آخرهم نَوَالًا” أخرجه أبو داود الطيالسي في مُسندِه وأبو نُعيم في الحِلْية، والبيهقي عن أبي بكر بن فورك عن عبد الله جعفر بهذا الإسناد، وفيه النضر بن معبد والجارود، أما النضر بن معبد فقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال فيه أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، وضعفه النسائي. وأما الجارود فقد قال ابن حجر في “توالي التأسيس”: إن كان ابن زيد ففيه مقال، وإلا فلا أعرفه.
وهذا الحديث مروي عن عبد الله بن مسعود، ورواه أبو هريرة بلفظ “اللهم اهد قريشًا فإن عالمها يملأ طباق الأرض علمًا. اللهم كما أذَقْتَُم عذابًا فَأَذِقْهُم نوالاً” دعا بها ثلاث مرات. وفي إسناده عبد العزيز بن عبد الله، قال الحافظ ابن حجر: عبد العزيز ضعيف.
2- حديث ” لا تَؤُمُّوا قريشًا وائْتَمُّوا بها، ولا تقدِّموا على قريش وقدِّموها، ولا تُعلِّموا قريشًا وتعلَّموا منها، فإن أمانة الأمين من قريش تَعْدِلُ أمانة اثنين من غيرهم، وإنَّ عِلْمَ عَالِمِ قريشٍ يسع طباق الأرض”، وفي رواية: “وإن عِلْمَ عَالِمِ قريش مبسوط على الأرض” أخرجه الآبري والحاكم عن ابن عباس، قال لي علي بن أبي طالب يوم حروراء: اخرج إلى هؤلاء القوم فقل لهم: يقول لكم علي بن أبي طالب: أتتهموني على رسول الله فأشهد لسمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول …. وأخرج بعض هذا الحديث أبو بكر أحمد البزار في مسنده “البحر الزاخر” وأبو بكر أحمد بن خيثمة في تاريخه من طريق عدي بن الفضل، قال البزار: لا نعلم لأبي بكر ولا لأبيه غيره، وقال الحافظ ابن حجر في المناقب: وهما مجْهولان، وفي عدي ابن الفضل مقال “حسن محمد قاسم ـ مجلة الإسلام ، المجلد الثالث العدد 13″ من كتاب ” المزارات المصرية”. وحديث ابن عباس أخرجه أبو يَعْلِي في مسنده بلفظ: “اللهم اهد قريشًا، فإنَّ عِلْمَ العَالِمِ منهم يسع طِبَاقَ الأرض، اللهم أذَقْتَ أوَّلَها نَكَالًا فَأَذِقْ آخرها نَوَالًا”، ورجال هذا الحديث رجال الصحيح إلا إسماعيل بن مسلم فقال فيه ابن حجر: فيه مقال، وأخرج بعضه أحمد بن حنبل في المسند بسند جيد من طريق سعيد بن جبير عنه، قال الحافظ في “توالي التأسيس” نقلاً عن البيهقي: إذا ضُمَّت طرق هذا الحديث بعضها إلى بعض أفاد قوَّة، وعُرِفَ أن للحديث أصلاً، وتعقَّب الحافظ قوله هذا بقوله: وهو كما قال، لتعدُّد مخارجها وشهرتها في كتب من ذكرْنا من المصنفين.
ويدل على اشتهاره في القدماء ما أخرجه البيهقي عن الربيع بن سُليمان قَال: ناظر الشافعي محمد بن الحسن، فبلَغ الرشيد فقال: أما علم محمد أن النبي ـ ﷺ ـ قَال “قدِّموا قريشًا فإن عِلْمَ العالم منهم يَسع طباق الأرض”، وقال أبو نُعيم الجرحاني: كل عالم من علماء قريش من الصحابة فمَن بَعْدهم وإنْ كان علمه قد ظهر وانتشر لكنه لم يبْلغ في الشهرة والكثرة والانتشار في جميع أقطار الأرض مع تباعُدها ما وَصَلَ إليه علم الشافعي، حتى غَلب على الظن أنه المُراد بالحديث المذكور، وقد سبق تنزيل هذا الحديث على الشافعي أحمد بن حنبل “المرجع السابق عدد 14.
هذا وفي هذه الأحاديث تظهر رحمة النبي ـ ﷺ ـ بقَومه على الرَّغم مما أصابه منهم، كما يظهر فضل قريش ووجوب تكريمها بالإمامة وغيرها، وذلك مرتبط بالعمل لا بالنسب، كما مرَّ توضيحه في حديث “الأئمة من قريش” ص401 من المجلد الثالث من الفتاوى.