أهل الذكر في هذا الأمر هم الأطباء فإذا قالوا إن المرض ممكن أن يكتشف، ففي هذه الحالة يقع الجهد على عاتق الحكومات عن طريق الحجر الصحي الذي يمنع المرضى من الاحتكاك بالأصحاء، أما إذا قالوا الأطباء إن المرض لا يكتشف، وبهذا يختلط المريض بغيره فتنتشر العدوى، ففي هذه الحالة على أهالي البلاد الموبؤة بالمرض ألا يأتوا للعمرة حتى يتأكدوا من خلوهم من المرض، لأن العمرة ليست موقوتة بوقت معين في العام مثل الحج، بل هي تجوز في أي وقت من العام، كما أن العمرة ليست فرضا كالحج.
يقول فضيلة الدكتور علي محي الدين القرة داغي:
لقد سبق الإسلام في وضع الحماية للإنسان في مثل هذه الحالات المرضية كل التنظيمات والشرائع الإنسانية، من خلال الحديث الصحيح الخاص بالطاعون، حيث قال الرسول ﷺ: “إذا دخل الطاعون أرض قوم فلا تدخلوها، وإذا كنتم فيها فلا تخرجوا منها.
وهذا أيضا طبقه سيدنا عمر رضي الله عنه حينما هم بالدخول في الشام، وكان فيه طاعون (عمواس) فاختلف الصحابة الكرام حول هذه المسالة، ولما سمع عمر رضي الله عنه الحديث السابق من عبد الرحمن بن عوف رجح قول القائلين بعدم الدخول في تلك المنطقة التي كان فيها الطاعون. وحينما اعترض عليه المعارضون فقالوا: يا عمر أتفر من قدر الله؟! قال: نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله.
فعلى ضوء ذلك: يختلف الحكم حسب قوة العدوى، وحيث إذا كانت المسألة يقينية في العدوى فلا يجوز للإنسان المسلم الدخول في ذلك المكان المعرض لانتقال العدوى إليه،.
وإذا كانت ظنية فالراجح: عدم الدخول، وإذا كانت المسألة تقوم على الشك والوهم فلا قيمة لذلك.
وعلى ضوء ما سبق: فمادامت العمرة لم تكن عمرة فرض، فالأفضل عدم الذهاب ما دام احتمال العدوى واردا حسب الظن الراجح، أما إذا وصل إلى مرحلة اليقين فلا يحوز، لأنه يدخل في باب الإضرار بالنفس، وقد قال الله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقال ﷺ: “لا ضرر ولا ضرار“، إضافة إلى الحديث السابق الذي نهى فيه الرسول ﷺ عن دخول أرض فيها طاعون.أهـ
ويقول د. ماهر السوسي أستاذ الشريعة ـ فلسطين:
إذا أثبت العلم أن المرض معدٍ و قاتل ، فالأصل أن يمنع معتمري و حجاج البلاد المنتشر فيها المرض من القدوم للأراضي المقدسة إلي أن يثبت بالدليل القاطع انتهاء المرض من ديارهم خوفا من انتقال المرض إلى كافة بلاد المسلمين، قياسا على الحديث الذي أورده عبد الرحمن بن عوف و الذي يشير إلي وجوب عدم مغادرة المسلمين بلدهم إذا أصيب بوباء الطاعون خوفا من نشره في بقية البلاد ، و ذلك من باب درء الضرر الأشد بالضرر الأخف و حسب علمي فلا يوجد شيء اسمه موسم عمرة المولد النبوي لكننا نتحدث عن العمار عموما الذين لا ينقطعون عن بيت الله الحرام .
و أنا أدعو اليوم اعتماد حديث ” فر من المجذوم فرارك من الأسد ” لا سيما أننا مأمورون بالأخذ بالأسباب.أهـ
ويقول أ.د. عبد الستار فتح الله سعيد ـ أستاذ التفسير وعلوم القرآن – جامعة الأزهر:
الأصل في الإسلام أنه إذا انتشر مرض عام مثل الطاعون وغيره من الأمراض المعدية، أن أهل البلد الذي أصيبت لا ينبغي أن يخرجوا منه، وكذلك الناس الذين خارج البلد لا يدخلون إليهم، حتى لا يزداد انتشار المرض، وفي ذلك يقول النبي ﷺ ما معناه: “إذا سمعتم بالطاعون (والطاعون رمز لأي وباء) فلا تدخلوا فيها ولا تخرجوا منها”، ويقول ﷺ: “لا يردن ممرض على مصح”، وهذا هو أصل الحجر الصحي في العالم كله الذي قرره النبي ﷺ من قديم. وبهذا إذا كان المرض “سارس” الجديد يعدي التجمعات (أي تجمعات سواء في الكعبة أو غيرها) ينبغي أن يوقف الدخول إلى هذه التجمعات، حتى لا يزداد انتشار المرض في هذه التجمعات، خاصة حول الكعبة المشرفة.أهـ
و يقول د. إسماعيل رضوان أستاذ الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بغزة :
نقول إن واجب الأمة الإسلامية الصحيح أن تأخذ جانب الحذر والحيطة، وأن تأخذ بالأسباب، ثم تسلم الأمور إلى الله سبحانه وتعالى .
وعلى السعودية أن تحتاط بإجراءات التطعيم من أجل حفظ سلامة المعتمرين أو الحجاج الذي سيأتون بعد ذلك في كل زمان ومكان.
واذا تعلَّق الأمر بتوزيع كمامات من أجل الحفاظ على صحة المسلمين المعتمرين واشترطه الأطباء المسلمون الأتقياء أهل التخصص، يمكن أن يأخذ بهذه الاحتياطيات .
فقد استشار عمر رضي الله عنه الصحابة من المهاجرين والأنصار في مسألة طاعون عمواس فأشار عليه كل برأي ، فمنهم من قال نترك البلد ونفر ، ومنهم من قال لا نخرج من البلد .فإذا بعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يأتي لهم بحديث بهذا الخصوص ينص بعدم الفرار من البلد إلى مكان آخر خشية انتقال الطاعون إلى مكان آخر.
و السعودية القائمة على أمر الحجيج بإمكانها القيام بالإجراءات الكفيلة بالحفاظ على أرواح المسلمين بشتى بقاع العالم.
فيجب أن نأخذ بالأسباب ويجب أن يعلم شيئا آخر هو أن العمرة ليس لها وقت محدد في المولد النبوي ، فهناك عمرة في شهر رمضان تعدل حجة وهي أفضل من أن يعتمر المسلم في ذكرى مولد الحبيب المصطفى ﷺ ، فلم تقترن العمرة بمولد النبي ، وليس من الصحيح شرعا أن يؤقت لها المسلم بموعد ميلاد النبي عليه الصلاة والسلام.أهـ