تشميت العاطس حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم، جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة ، وقد التمس العلماء الحكمة من وراء ذلك ، والأولى التسليم للحكمة الإلهية ، فالمسلم دائما يلتمس طاعة الأوامر ويقول سمعنا وأطعنا .
يقول الشيخ محمد صالح المنجد:
ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : ” إن الله يحب العطاس ، ويكره التثاؤب ، فإذا عطس أحدكم وحمد الله ، كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له : يرحمك الله ، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان ” رواه البخاري 10/505 .
وعنه رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : ” إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، فإذا قال له : يرحمك الله فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم ” رواه البخاري 10/502 .
وجاء من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ عطس عنده رجلان ، فشمت أحدهما ، ولم يشمت الآخر ، فقال الذي لم يشمته : عطس فلان فشمته ، وعطست فلم تشمتني ، فقال : ” هذا حمد الله ، وأنت لم تحمد الله ” رواه البخاري 10/504
ومن حديث أبي موسى الأشعري أن النبي ﷺ قال : ” إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه ، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه ” رواه مسلم 2992 .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
ولما كان العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسرة شرع له حمد الله على هذه النعمة مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها …. فإن العطاس يحدث في الأعضاء حركة وانزعاجاً … وقيل :(أي : في اشتقاق التشميت) هو تشميت له بالشيطان لإغاظته بحمد الله على نعمة العطاس وما حصل له به من محاب الله ، فإن الله يحبه ،
فإذا ذكر العبد الله وحمده ساء ذلك الشيطان من وجوه منها :
نفس العطاس الذي يحبه الله ، وحمد الله عليه ، ودعاء المسلمين له بالرحمة ، ودعاؤه لهم بالهداية وإصلاح البال .
وذلك كله غائظ للشيطان محزن له ، فتشميت المؤمن بغيظ عدوه وحزنه وكآبته ، فسمي الدعاء له بالرحمة تشميتاً له لما في ضمنه من شماتته بعدوه ، وهذا معنى لطيف إذا تنبه له العاطس والمشمت انتفعا به ، وعظمت عندهما منفعة نعمة العطاس في البدن والقلب ، وتبين السر في محبة الله له ، فلله الحمد الذي هو أهله كما ينبغي لكريم وجهه وعز جلاله . أ.هـ
ومما ينبغي أن يعلم أن الأصل في المسلم التسليم للنصوص والعمل بها دون التكلف في البحث عن الحكم والعلل والأسباب التي من أجلها جاء النص بإثبات أمر أو نفيه ، مع وجوب اعتقاد أن الله تعالى الحكيم الخبير الذي لم يشرع شيئاً لعباده إلا وفيه من المصالح العاجلة والآجلة من أمر الدين والدنيا ما لا يخطر له على بال ، علم بعض ذلك من علم وجهله من جهل ، فالأصل الذي يلزم المسلم هو الانقياد والإتباع ، فإن أضيف إلى ذلك معرفة الحكمة من تشريع الحكم فالحمد لله .