باب التوبة مفتوح أمام العبد ما لم يغرغر أو تخرج الشمس من مغربها، وقد قص علينا القرآن الكريم نبأ قوم مما كانوا قبلنا انجرفوا نحو هذا المستنقع بشدة، و لم يستجيبوا لنصح نبيهم فماذا كانت عاقبتهم؟ التدمير؛ يقول تعالى : { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين, وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين }. (الأعراف: 80-84).
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
حرَّم الله الزنى وحرَّم الوسائل المفضية إليه، و حرم كذلك هذا الشذوذ الجنسي” الذي يعرف بعمل قوم لوط, أو ” اللواط “.
فهذا العمل الخبيث انتكاس في الفطرة، وانغماس في حمأة القذارة وإفساد للرجولة، وجناية على حق الأنوثة.
وانتشار هذه الخطيئة القذرة في جماعة، يفسد عليهم حياتهم ويجعلهم عبيدًا لها، وينسيهم كل خلق وعرف وذوق، وحسبنا في هذا ما ذكره القرآن الكريم عن قوم لوط الذين ابتكروا هذه الفاحشة القذرة، وكانوا يَدَعُون نساءهم الطيبات الحلال ليأتوا تلك الشهوة الخبيثة الحرام . ولهذا قال لهم نبيهم لوط: (أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون). (الشعراء: 165، 166).
ودمغهم القرآن – على لسان لوط – بالعدوان والجهل والإسراف والفساد والإجرام، في عدد من الآيات.
ومن أغرب مواقف هؤلاء القوم التي ظهر فيها اعوجاج فطرتهم، وفقدان رشدهم، وانحطاط أخلاقهم، وفساد أذواقهم، موقفهم من ضيوف لوط الذين كانوا ملائكة عذاب أرسلهم الله في صورة البشر، ابتلاء لأولئك القوم وتسجيلا لذلك الموقف عليهم، وهو الذي حكاه القرآن :(ولما جاءت رسلنا لوطًا سيء بهم وضاق بهم ذرعًا وقال هذا يوم عصيب * وجاءه قومه يُهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات، قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي، أليس منكم رجل رشيد * قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد * قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد * قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك). (هود: 77 – 81).
وقد اختلف فقهاء الإسلام في عقوبة من ارتكب هذه الفاحشة:
أيحدان حد الزنى ؟ أم يقتل الفاعل والمفعول به ؟ وبأي وسيلة يقتلان ؟ أبالسيف ؟ أم بالنار ؟ أم إلقاء من فوق جدار ؟
وهذا التشديد الذي قد يبدو قاسيًا إنما هو تطهير للمجتمع الإسلامي من هذه الجرائم الفاسدة الضارة التي لا يتولد عنها إلا الهلاك والإهلاك.
فالإسلام حرَّم هذا الفعل تحريما شديدا وجعل عقوبته عظيمة أليمة في الدّنيا والآخرة . كيف لا وقد قال نبي الإسلام عليه السّلام : ” مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ . ” أي إذا كان راضيا . والحديث رواه الترمذي في سننه 1376.
وقال علماء الإسلام كمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ : إنّه يُقام عليه حدّ الرجم أحصن أو لم يُحصن.
والذي يخالف فطرة الله، ويفعل ما يؤدي إلى اكتفاء الرّجال بالرّجال والنّساء بالنّساء، وفساد الأُسر، والتأثير على الإنجاب، ونشر الانحلال في المجتمع، وحدوث الأمراض الفتّاكة، والإضرار بالأبرياء، وسريان الأذيّة إلى الأطفال اغتصابا ونقلا للأمراض، والفساد في الأرض عموما لا شكّ أنّه آفة يجب أن تُستأصل.
و الله سبحانه وتعالى لم يحرم علينا إلا ما فيه مفسدة تضر بنا، وإذا أردنا أن نتلمس الحكمة من وراء تحريم الله تعالى للشذوذ الجنسي نجد أنه:
أولا: مفسدة لنفسية الشـباب يزرع السـلبية فيهم ولا يشـبع عواطفهم، فهم لا يستطيعون ممارسته غالباً إلا بعد تعاطي الخمر أو المخدِّرات لخلق جو وهمي من المتعة بداخلهم؛ وهذا يعني أنه يجرُّهم إلى المزيد من الدمار والعدائية.
ويكفي أن يشعر الواحد منهم أنه قد سلبت عنه رجولته التي يفتخر بها، والتي هي تاج فخر الرجل.
ثانيا: مفسدة للنساء اللواتي ينصرف أزواجهن عنهن إلى الرجال، ويقصِّرون فيما يجب عليهم من إحصانهن، فينجرفن إلى طريق الانحراف أو الشذوذ بين بعضهن، أو يرتمين في أحضان رجال غرباء عنهن. وبذلك تشيع الفاحشة في المجتمع، وينقلب المجتمع إلى وكر كبير تصيح فيه الشياطين و تصرخ .
ثالثا:تقليل النسل؛ فمن وقع في براثن الشذوذ فرغب عن الزواج، وتنصَّل من تحمُّل مسؤوليته، فقد ساهم في تهديم مجتمعه، والحدِّ من نسبة التوالد فيه. ويكفيه أنه قطع نسبه وأوقف نسله.
رابعا: الأمراض الفتَّاكة القاتلة الَّتي تنجم عنه، والَّتي كان آخرها مرض فقد المناعة الخطير المعروف باسم الإيدز أو السِيدا.
لذلك كلِّه بعث الله الرسل، ليحذِّروا أقوامهم وينذروهم من أن يضلُّوا في شعاب الرذيلة الهمجية.
وقال الدكتور محمود حجازي في كتابه ” الأمراض الجنسية و التناسلية ” – وهو يشرح بعض المخاطر الصحية الناجمة عن ارتكاب اللواط – :
إن الأمراض التي تنتقل عن طريق الشذوذ الجنسي ( اللواط ) هي :
1- مرض الأيدز، وهو مرض فقد المناعة المكتسبة الذي يؤدي عادة إلى الموت.
2- التهاب الكبد الفيروسي.
3- مرض الزهري.
4- مرض السيلان.
5- مرض الهربس.
6- التهابات الشرج الجرثومية.
7- مرض التيفوئيد.
8- مرض الأميبيا.
9- الديدان المعوية.
10- ثواليل الشرج.
11- مرض الجرب.
12- مرض قمل العانة.
13- فيروس السايتو ميجالك الذي قد يؤدي إلى سرطان الشرج.
14- المرض الحبيبي اللمفاوي التناسلي.
التوبة منه:
ومما سبق يتبين عظم وقبح وشناعة هذه الفاحشة، وما يترتب على فعلها من آثار ضارة، ومع ذلك فالباب مفتوح لتوبة العاصين، والله تعالى يفرح بتوبتهم.
وليتأمل قول الله تعالى : ” والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون. ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ” الفرقان: (68-71).
وعند التأمل في قوله تعالى :” فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات” يتبين لك فضل الله العظيم .
وقد قال المفسرون هنا معنيين للتبديل:
الأول : تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيماناً وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا .
والثاني : تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة .
وليعلم من ابتلي بهذا البلاء أن الحياة قصيرة، وأن الآخرة خير وأبقى، ولا ينسى أن الله تعالى أهلك قوم لوط بما لم يهلك بمثله أحداً من الأمم غيرهم.
العلاج لمن ابتلي بهذه المصيبة:
1- الابتعاد عن الأسباب التي تيسر له الوقوع في هذه المعصية وتذكره بها مثل:
– إطلاق البصر، والنظر إلى النساء أو الشاشات.
– الخلوة بأحد من الرجال أو النساء.
2-يشغل نفسه دائماً بما ينفعه في دينه أو دنياه كما قال الله تعالى : ( فإذا فرغت فانصب ) (الشرح: 7). فإذا فرغ من عمل في الدنيا فليجتهد في عمل من عمل الآخرة كذكر الله وتلاوة القرآن وطلب العلم وسماع الأشرطة النافعة …
وإذا فرغ من طاعة فليبدأ بأخرى، وإذا فرغ من عمل من أعمال الدنيا فليبدأ في آخر … وهكذا؛ لأن النفس أن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فلا يدع لنفسه فرصة أو وقت فراغ يفكر في هذه الفاحشة.
3- يقارن بين ما يجده من لذة أثناء هذه الفاحشة، وما يعقب ذلك من ندم وقلق وحيرة تدوم معه طويلاً، ثم ما ينتظر فاعل هذه الفاحشة من عذاب في الآخرة، فهل يرى أن هذه اللذة التي تنقضي بعد ساعة يقدمها عاقل على ما يعقبها من ندم وعذاب، ويمكنه لتقوية القناعة بهذا الأمر والرضا به القراءة في كتاب ابن القيم ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) فقد ألفه رحمه الله لمن هم في مثل من هذا حاله.
4- العاقل لا يترك شيئاً يحبه إلا لمحبوب أعلى منه أو خشية مكروه. وهذه الفاحشة تفوت عليه نعيم الدنيا والآخرة، ومحبة الله له، ويستحق بها غضب الله وعذابه ومقته.
فليقارن بين ما يفوته من خير، وما يحصل له من شر بسبب هذه الفاحشة، والعاقل ينظر أي الأمرين يقدّم .
5- وأهم من ذلك كله: الدعاء والاستعانة بالله عز وجل أن يصرف عنه هذا السوء، وليغتنم أوقات الإجابة وأحوالها، كالسجود، وقبل التسليم من الصلاة، وثلث الليل الآخر، ووقت نزول المطر، وفي السفر، وفي الصيام، وعند الإفطار من الصيام.
6- عليه بعرض نفسه على طبيب لكي يأخذ بالأسباب المادية لإزالة هذا الخبث من القلب.