إن القرآن الكريم نزل على رسول الله في أمة وثنية تصنع أصنامها وتضعها حول الكعبة المشرفة فكانوا يصورون ويعبدون ولقد ذم الرسول عليه الصلاة والسلام الصور وصنعها في كثير من أحاديثه لعلة التشبيه بخلق الله ولعبادتها من دونه.

ومن قبله جاهد الأنبياء عليهم السلام عبادة الأوثان واتخاذها آلهة تعبد من دون الله أو تقربا إلا الله {‏ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }‏ الزمر ‏3.

هل التماثيل والصور حرام

لقد ردد القرآن الكريم قصة إبراهيم عليه السلام مع الوثنيين في كثير من صوره ليلفت الناس إلى إخلاص العبادة والعبودية لله رب العالمين وساق القرآن كثيرا من المحاجة التي جرت والمحاورات بالمنطق والاستدلال العلمي فيما بين الأنبياء وأقوامهم في شأن عبادة غير الله في العديد من السور .‏
(ومن هنا كان اختلاف فقهاء الإسلام في حكم التصوير المجسم التماثيل) الكامل أو الناقص ، وحكم الرسم بين التحريم والكراهة .‏
-إباحة التصوير الضوئي والرسم الذي تدل عليه الأحاديث النبوية الشريعة التي رواها البخاري وغيره من أصحاب السنن وترددت في كتب الفقهاء أن التصوير الضوئي للإنسان والحيوان المعروف الآن والرسم كذلك لا بأس به متى كان لأغراض علمية مفيدة للناس، إذا خلت الصور والرسوم من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم والعبادة، وخلت كذلك من دوافع تحريم غريزة الجنس وإشاعة الفحشاء والتحريض على ارتكاب المحرمات .‏
-تحريم النحت والحفر المكون لتمثال كامل لإنسان أو حيوان؛ النحت والحفر الذى يتكون منه تمثال كامل لإنسان أو حيوان فإنه محرم .‏
لما رواه البخاري ومسلم عن مسروق قال دخلنا مع عبد الله بيتا فيه تماثيل فقال لتمثال منها تمثال من هذا؟ قالوا تمثال مريم قال عبد الله قال رسول الله إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون وفي رواية الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم فهذا النص صريح في أن نفس صنع التماثيل معصية ، وإنما كان ذلك سدا لذريعة عبادة التماثيل واتخاذها وسيلة للتقرب إلى الله كما كانت محاجة بعض الأمم السابقة حسبما حكى القرآن الكريم .‏

ما هو حكم الآثار في الشرع

-الآثار وسيلة لدراسة التاريخ وإذ كان ذلك وكانت الأمم الموغلة في القدم كالمصريين القدماء والفرس والرومان، وغير أولئك وهؤلاء ممن ملأوا جنبات الأرض صناعة وعمران قد لجأوا إلى تسجيل تاريخهم اجتماعيا وسياسيا وحربيا نقوشا ورسوما ونحتا على الحجارة.

-وكانت دراسة تاريخ أولئك السابقين والتعرف على ما وصلوا إليه من علوم وفنون أمرا يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمى والحضارى النافع، وكان القرآن الكريم في كثير من آياته قد لفت نظر الناس إلى السير في الأرض ودراسة آثار الأمم السابقة والاعتبار والانتفاع بتلك الآثار، وكانت الدراسة الجادة لهذا التاريخ لا تكتمل إلا بالاحتفاظ بآثارهم وجمعها واستقرائها .‏
-إذ منها تعرف لغتهم وعاداتهم ومعارفهم في الطب والحرب والزراعة والتجارة والصناعة، وما قصة حجر رشيد الذي كان العثور عليه وفك رموزه وطلاسمه فاتحة التعرف علميا على التاريخ القديم لمصر ، وما قصة هذا الحجر وقيمته التاريخية والعلمية بخافية على أحد .‏
-والقرآن الكريم حث على دراسة تاريخ الأمم وتبين الآيات في هذا الموضع إذ كان كل ذلك .‏
-كان حتما الحفاظ على الآثار والاحتفاظ بها سجلا وتاريخا دراسيا، لأن دراسة التاريخ والاعتبار بالسابقين وحوادثهم للأخذ منها بما يوافق قواعد الإسلام والابتعاد عما ينهى عنه، من مأمورات الإسلام الصريحة الواردة في القرآن الكريم في آيات كثيرة .‏
-منها قوله تعالى: {‏ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }‏ الحج ‏46.

-وقوله تعالى: {‏ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شىء قدير }‏ العنكبوت ‏20.

-وقوله سبحانه وتعالى: {‏ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }‏ الروم ‏9.

-وقوله تعالى: {‏ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شىء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا }‏ فاطر ‏44.

حكم إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها

إقامة المتاحف ضرورة لما كان التحفظ على هذه الآثار هو الوسيلة الوحيدة لهذه الدراسة أصبح حفظها وتهيئتها للدارسين أمرا جائز إن لم يكن من الواجبات باعتبار أن هذه الوسيلة للفحص والدرس ضرورة من الضروروات .‏
وقاعدة الضرورة مقررة في القرآن الكريم في قوله تعالى {‏ وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه }‏ الأنعام ‏119 ، وغير هذا من الآيات .‏
-ولعل مما نسترشد به في تقرير هذه الضرورة الدراسية والأخذ بها ما نقله أبو عبد الله محمد ابن أحمد الأنصاري القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن عند تفسيره قول الله تعالى في سورة سبأ {‏ يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل }‏ سبأ ‏13 ، من استثناء لعب البنات المجسمة من تحريم صنع التماثيل .‏
-فقد قال في المسألة الثامنة ما نصه وقد استثنى من هذا لعب البنات لما ثبت (‏عن عاشئة رضي الله عنها أن النبي تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزفت إليه وهي بنت تسع ولعبها معها ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة)‏ وعنها أيضا قالت (‏كنت ألعب بالبنات عند النبي وكان لي صواحب يلعبن معي)‏ فكان رسول الله إذا دخل ينفمعن منه أي يتخفين منه فيسر بهن أي يرسلهن ويبعثهن إلى ليلعبن معي .‏
أخرجهما مسلم .‏ قال العلماء وذلك للضرورة إلى ذلك وحاجة البنات حتى يتدربن على تربية أولادهن .‏
-ثم إنه لا بقاء لذلك، وكذلك ما يصنع من الحلاوة أو من العجين لا بقاء له .‏
فرخص في ذلك .‏ وتخريجا على هذا كان الاحتفاظ بالآثار سواء كانت تماثيل أو رسوما أو نقوشا في متحف للدراسات التاريخية ضرورة من الضرورات الدراسية والتعليمية لا يحرمها الإسلام لأنها لا تنافيه، بل إنها تخدم غرضا علميا وعقائديا إيمانيا حث عليه القرآن فكان ذلك جائزا إن لم يصل إلى مرتبة الواجب، بملاحظة أن الدراسات التاريخية مستمرة لا تتوقف .‏

تحريم وضع التماثيل والآثار في المساجد

يجب الالتفات إلى ضرورة البعد بهذه التماثيل وكافة الآثار عن المساجد إذ يحرم جمعها ووضعها فيها أو حولها أو قريبا منها، كما تحرم الصلاة في الأماكن التي تحتويها (‏المتاحف)‏ حتى لا تشتبه الأمور وتؤول إلى عبادتها وتصير بتقادم الزمان وضعف العقائد آلهة تعبد، ويسجد لها من دون الله الذى نعوذ به من كل سوء في الدنيا والدين .‏

الخلاصة:

أولا: لا يحرم الإسلام إقامة المتاحف بوجه عام، لأن ما يحفظ بها من آثار وسيلة لدراسة تاريخ الأمم السابقة .‏
ثانيا: لا يحرم الإسلام عرض أي شىء من الآثار ما دام حفظها وعضها بهدف الدراسة، ويحرم عرض الجثث الإنسانية للموتى لما فيه من امتهان الإنسان الذي كرمه الله سبحانه .‏
ثالثا: وبناء على ما سلف لا يحرم الإسلام عرض التماثيل والصور المجسمة بالمتاحف للتاريخ والدراسة ويحرم عرضها على وجه التعظيم، كما يحرم صنعها لهذا الغرض .‏