اختلف العلماء حول التطوع قبل صلاة العيد، فمنع ذلك الحنفية والمالكية، والحنابلة، ومذهب جمعٌ من الصحابة، وأجاز الشافعية التطوع لمن كان مأموما دون الإمام. وهناك من الحنفية من أجاز التطوع في البيت قبل صلاة العيد دون التطوع في مصلى العيد، والذي نرجحه هو الاشتغال بالتكبير في هذا الوقت، والوقت بعد الصلاة فسيح فليتطوع من شاء فيه. وذلك لما رواه البخاري في صحيحه عن سَعِيدِ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا.أهـ كما جاء في سنن ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ـ “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا
جاء في فتح الباري لابن رجب الحنبلي:
قد اختلف الناس في معنى ترك النبي – ﷺ – الصلاة يوم العيد قبلها وبعدها : فمنهم من قال: لأنه كان إماماً ، والإمام لايتطوع موضع صلاة العيد قبلها ولا بعدها ؛ لأنَّ حضوره كإقامة الصَّلاة ، فلا يتطوع بعده، وإذا خطب انصرف وانصرف الناس معه ، فلو صلَّى فلربما احتبس الناس لهُ ، وفيه مشقة .
وهذا تأويل جماعة ، منهم : سليمان بن حرب وطائفة من الشافعية وغيرهم .
وأنكر ذلك الإمام أحمد ، وقال : إنما لم يصل قبلها ولا بعدها ؛ لأنه لا صلاة قبلها ولا بعدها .
واستدل بأن ابن عباس وابن عمر رويا أن النَّبيّ – ﷺ – لم يصل قبلها ولا بعدها وكرها الصلاة قبلها وبعدها استدلالاً بما روياه ، فعلهم أنهما فهما مما روياه كراهة الصلاة قبلها وبعدها ، وهما أعلم بما رويا . أهـ
وجاء في كتاب بدائع الصنائع من كتب الحنفية:
عن عبد الله بن مسعود و حذيفة رضي الله عنهما أنهما : كانا ينهيان الناس عن الصلاة قبل العيد، ولأن المبادرة إلى صلاة العيد مسنونة، وفي الاشتغال بالتطوع تأخيرها، ولو اشتغل بأداء التطوع في بيته يقع في وقت طلوع الشمس، و كلاهما مكروهان، وقال محمد بن مقاتل الرازي من أصحابنا : إنما يكره ذلك في المُصلَّى كيلا يشتبه على الناس أنهم يصلون العيد قبل صلاة، فأما في بيته فلا بأس بأن يتطوع بعد طلوع الشمس.
وعامة أصحابنا:على أنَّه لا يتطوع قبل صلاة العيد لا في المصلى و لا في بيته فأول الصلاة في هذا اليوم صلاة العيد أهـ
وجاء في المغني لابن قدامة من كتب الحنابلة:
لا يتنفل قبل صلاة العيدين ولا بعدها، وجملته أنه ينكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها للإمام والمأموم في موضع الصلاة، سواء كان في المصلى أو المسجد، وهو مذهب ابن عباس وابن عمر، وروي ذلك عن علي وابن مسعود وحذيفة وبريدة وسلمة بن الأكوع وجابر وابن أبي أوفى، وقال به شريح وعبد الله بن مغفل والشعبي و مالك و الضحاك و القاسم و سالم و معمر و ابن جريج و مسروق، وقال الزهري : لم أسمع أحدا من علمائنا يذكر أن أحدا من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها يعني صلاة العيد، وقال : ما صلى قبل العيد بدري، ونهى عنه أبو مسعود البدري، وروي أن عليا رضي الله عنه رأى قوما يصلون قبل العيد فقال: ما كان هذا يفعل على عهد رسول الله ﷺ.
وقال أحمد : أهل المدينة لا يتطوعون قبلها ولا بعدها، وأهل البصرة يتطوعون قبلها وبعدها، وأهل الكوفة لا يتطوعون قبلها، ويتطوعون بعدها. وهذا قول علقمة والأسود و مجاهد و ابن أبي ليلى و النخعي و الثوري و الأوزاعي وأصحاب الرأي، وقال مالك : لا يتطوع في المصلى قبلها ولا بعدها، وله في المسجد روايتان: إحداهما يتطوع لقول النبي ﷺ : [ إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ]
وقال الشافعي : يكره التطوع للإمام دون المأموم؛ لأن الإمام لا يستحب له التشاغل عن الصلاة، ولم يكره للمأموم؛ لأنه وقت لم ينه عن الصلاة فيه أشبه ما بعد الزوال.
ولنا ما روى ابن عباس [ أن النبي ﷺ خرج يوم عيد الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ] متفق عليه، وروى ابن عمر نحوه، ولأنه إجماع كما ذكرناه عن الزهري وغيره، ونهى أصحاب رسول الله ﷺ عنه، ورووا الحديث، وعملوا به، ولأنه وقت نهى الإمام عن التنفل فيه، فكره للمأموم كسائر أوقات النهي، وكما قبل الصلاة عند أبي حنيفة، وكما لو كان في المصلى عن مالك .
قال الأثرم : قلت لـأحمد : قال سليمان بن حرب : إنما ترك النبي ﷺ التطوع؛ لأنه كان إماما؟ قال أحمد : فالذين رووا هذا عن النبي ﷺ لم يتطوعوا، ثم قال : ابن عمر وابن عباس هما راوياه، وأخذا به يشير ـ والله أعلم ـ إلى أن عمل راوي الحديث به تفسير له، وتفسيره يقدم على تفسير غيره، ولو كانت الكراهة للإمام كيلا يشتغل عن الصلاة لاختصت بما قبل الصلاة إذ لم يبق بعدها ما يشتغل به، ولأنه تنفل في المصلى وقت صلاة العيد، فكره كالذي سلموه، وقياسهم منتقض بالإمام، وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن النبي ﷺ كان يكبر في صلاة العيد سبعا وخمسا ويقول : ( لا صلاة قبلها ولا بعدها ) ]