جاء في ” زاد المعاد ” ج1 ص43 ” أنّ أكثر ما كان يبول النبي صلّى الله عليه وسلم وهو قاعِد، يرتاد لبولِه اللَّيِّنَ الرّخْو من الأرض، وإذا كانت هناك أرض صُلبة أخذ عودًا من الأرض فنَكَتَ به حتى يثرى، يعني حتى يكونَ فيه ثَرًى ورمادٌ، وقالت عائشة ـ رضِي الله عنها ـ : مَن حدّثكم أن النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ كان يبول قائمًا فلا تُصدِّقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا.
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث حُذيفة أنه بالَ قائمًا، فقيل: هذا بيان للجواز، وقيل : إنّما فعله من وجع كان بمأبِطه، وقيل : فعله استشفاءً. قال الشافعي رحمه الله : والعرب تستشفي من وجع الصُّلب بالبول قائمًا، والصحيح أنه إنما فعل ذلك تنزُّها وبعدًا من إصابة البَول، فإنّه إنما فعل هذا لمّا أتى سباطة قومٍ ـ وهو ملقى الكُناسة ، ويسمَّى المَزبلة وهي تكون مرتفعة ـ فلو بال فيها الرجل قاعدًا لارتدَّ عليه بولُه، وهو ﷺ استتر بها وجعلها بينه وبين الحائط، فلم يكن بدٌّ من بوله قائمًا، والله أعلم .
ثم قال ابن القيم: وقد ذكر الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: رآني النبي ـ صلَّى الله عليه وسلّم ـ وأنا أبول قائمًا، فقال ” يا عمر لا تَبُلْ قائِمًا” فما بُلْتُ قائِمًا بعد ، قال الترمذي: وإنّما رفعه عبد الكريم بن أبي المخارق ، وهو ضعيف عند أهل الحديث .
وفي مسند البزار وغيره من حديث عبد الله بن بُريدة عن أبيه أن رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلّم ـ قال : ” ثلاثٌ من الجفاء ، أن يبولَ الرجل قائمًا، أو يمسح جبهتَه قبل أن يفرغَ من صلاتِه، أو ينفخَ في سجودِه ” ورواه الترمذي وقال: هو غير محفوظ، وقال البزار : لا نعلَم من رواه عن عبد الله بن بُريدة إلا سعيد بن عبيد الله، ولم يجرحه بشيء، وقال ابن أبي حاتم، هو بصري ثقة مشهور.
فالخُلاصة أن التبوُّل من قيام مكروه وليس بحرام، لما يترتّب عليه من خوف التلوث من الرّشاش، واطلاع الغير على العورةِ.